المؤتمرات النقابية بدأت.. المطلوب القيام بخطوات جدية إلى الأمام؟
بدأت الحركة النقابية على امتداد البلاد بعقد مؤتمراتها النقابية السنوية لاستعراض ما أنجزته خلال عام كامل من العمل، وما لم تستطيع إنجازه..
والحقيقة أن أسباب تراجع دور وتأثير النقابات تكمن بالظروف الحاكمة للعمل النقابي من حيث الخطاب، والبنية، والأدوات، والممارسة، وموازين القوى المحلية، حيث تعمل جميعها مجتمعة على كبح إمكانية التقدم، وتجاوز الخطوط الحمر الموضوعة لها، وعدم الاشتباك المباشر مع السياسات الاقتصادية التي أضعفت الحركة النقابية بفعل تأثيرها المباشر على مستوى معيشة الطبقة العاملة وحقوقها ومكتسباتها، رغم أنه يجري تقليصها وقضمها شيئاً فشيئاً، وهو ما يخلق تذمراً واستياءً واسعاً ومستمراً ومتصاعداً في الأوساط العمالية، تظهر آثارها أحياناً هنا أو هناك، كما حدث في إضرابات عمال البناء في الشركات الإنشائية للتأخر في دفع أجورهم الشهرية، واعتصام عمال الكابلات في معمل (السويدي)، واعتصام عمال مرفأ طرطوس، وإضراب عمال معمل عماد وعمار العوا، واعتصام عمال بانياس لتعبئة الغاز أمام مجلس الوزراء، وإضراب عمال شركة سيراميك الشام...إلخ.. بالإضافة إلى عشرات الكتب المقدمة من العمال المسرحين إلى الاتحاد العام لنقابات العمال تعترض وتتظلّم دون أن يكون لذلك دوي يذكر..
إن هذا الاستياء والتذمر في حالة اتساع دائم داخل إطار الحركة النقابية، مما جعل الهوة بين النقابات والعمال تتوسع.. ولعل هذا ما يسعى إليه البعض، خاصة وأن المطلوب (ليبرالياً)، سحب البساط من تحت أقدام النقابات لإضعافها وتجريدها من عناصر قوتها وأهمها التفاف الطبقة العاملة حول برنامجها، الذي يفترض فيه أن يكون الآن برنامجاً نضالياً يواجه قوى السوق وسياساتها وبرامجها المدعومة حكومياً، وألا يتراجع أمام زحف تلك السياسات التي لا تخدم في النهاية سوى مشروعها النقيض لمشروع الطبقة العاملة السورية، والذي الأساس فيه الدفاع عن القضايا الوطنية الكبرى ومنها الدفاع عن القطاع العام باعتباره الحامي للقرار الوطني المستقل، وباعتباره أيضاً قاطرة النمو الرئيسية التي ستحل الأزمات المستعصية في المجتمع مثل مشكلات البطالة والفقر ومستوى المعيشة، بالإضافة للدفاع عن الحقوق والمكتسبات التي يجري الهجوم عليها ليبرالياً تحت شعارات وتوجهات تصب في المحصلة في صالح قوى السوق، أي قوى الرأسمال التي تؤكد كل الوقائع أن إحدى مهامها الأساسية اليوم تعميق بؤر التوتر الداخلي لتفجيرها عند اللزوم.
إن الضامن الأساسي لانتصار المشروع الوطني المعادي للقوى الاستعمارية الخارجية ورموزه الداخلية هو القوى الوطنية الشريفة بما فيها الحركة النقابية والطبقة العاملة السورية، التي خبرت النضال الوطني الطبقي منذ نشأتها الأولى، حيث انبثقت من رحم النضال الوطني المعادي لكل أشكال الاستعمار والاستغلال.
إن تعزيز العلاقة الكفاحية بين الحركة العمالية والحركة النقابية يكون بالدفاع عن حقوق ومكاسب الطبقة العاملة التي منها:
نقابياً:
إعادة النظر بالخطاب النقابي الذي تجاوز عمره عقوداً من الزمن، وأصبح غير مناسب، بل وغير مقبول في ظل التطورات الجارية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
تطوير وتحسين الأدوات النضالية وفقاً للمتغيرات الحاصلة التي حصلت فيها قوى السوق على حريتها الكاملة في الهيمنة والقيادة للاقتصاد الوطني قانونياً وعملياً، وبالتالي لابد للطبقة العاملة وحركتها النقابية من تبني حق الإضراب والتظاهر السلمي دفاعاً وحماية للحقوق والمكتسبات والحريات النقابية التي كفلها الدستور.
إعادة النظر بقانون التنظيم النقابي المعمول به منذ الستينيات بما يتوافق والمتغيرات الحاصلة من التبني الرسمي لاقتصاد السوق، والانفتاح، وتشجيع ودعم الاستثمار الرأسمالي المحلي والأجنبي.
تطوير العمل الصحفي والإعلام النقابي كي يتحول إلى إعلام ناطق حقيقي بلسان الطبقة العاملة مدافعاً عنها، ومعبراً عن حقوقها، ومعبئاً لها من أجل صيانة حقوقها ومكاسبها.
اقتصادياً:
- الدفاع عن القطاع العام الإنتاجي والخدمي، والعمل على تطويره وتحسين أدائه وتخليصه من النهب والفساد، لأن ذلك سيؤمن الانتصار في المواجهة مع العدو الخارجي، ويؤمن الانتصار في المواجهة مع القوى الليبرالية (قوى السوق)، ويحقق المستوى المعيشي اللائق للشعب السوري المقاوم.
- الدفاع عن القطاع الخاص المنتج وتأمين فرص نجاحه خدمة للاقتصاد الوطني.
عمالياً:
النضال من أجل زيادة الأجور الحقيقية للطبقة العاملة من مصادر حقيقية، ورفع الحد الأدنى للأجور ليؤمن المتطلبات الضرورية لحياة كريمة للطبقة العاملة.
تثبيت العمال المؤقتين، وإعادة العمال المسرحين إلى أعمالهم.
تحسين ظروف العمل ومراقبة إجراءات الصحة والسلامة المهنية والأمن الصناعي.
تثبيت الحقوق المكتسبة للعمال والدفاع عنها وتطويرها بما يحسن الأداء الإنتاجي.
تطوير العمل مع عمال القطاع الخاص وخاصةً في التجمعات العمالية الكبرى (المناطق الصناعية)، وجذبهم للانتساب للنقابات من خلال المحفزات والمشجعات والمواقف التي تشعرهم بأن النقابات ممثلهم الشرعي المدافع عن حقوقهم.
إعادة النظر بالموقف من قانون العمل الجديد رقم/17/، والنضال من أجل تعديل الكثير من المواد التي أضرت بحقوق ومصالح العمال في القطاع الخاص وخاصة المادة /65/ التي تجيز لرب العمل تسريح العمال بشكل تعسفي.
مساهمة النقابات الفعلية في صياغة وإقرار وتوقيع عقود العمل الفردية والجماعية للعمال في القطاع الخاص.
العمل على تحصيل أموال التأمينات الاجتماعية (أموال العمال) من الحكومة التي ابتلعتها ولم تعدها إلى صندوق التأمينات الاجتماعية.
المشاركة في وضع الأسس القانونية لحماية أموال العمال في التأمينات المستثمرة وضمان عدم خسارتها في الأماكن المستثمرة فيها حالياً مثل (المصارف الخاصة ـ العقارات).
العمل على استثمار أموال التأمينات في مشاريع مضمونة العائدية والربح تعود على العمال بالفائدة (مشاريع إسكان، مدارس، مستشفيات...إلخ).
العمل على إيجاد قانون ينظم عمل العمال الزراعيين وعمال البناء في القطاع الخاص، حيث لا يوجد قانون يحمي حقوقهم الآن باعتبارهم مصنفين ضمن العمالة غير المنظمة، وإيجاد الصياغة القانونية التي تسمح باشتراكهم بالتأمينات الاجتماعية وحصولهم على معاش الشيخوخة.
تولي الدفاع عن الحقوق العمالية في الدعاوى المرفوعة أمام المحاكم العمالية المشكلة حديثاً بناء على قانون العمل الجديد رقم /17/، وضمان تنفيذ الأحكام في حال نالت الدرجة القطعية لمصلحة العمال وذلك بإنشاء مكاتب قانونية في اتحادات المحافظات النقابية تضم محامين متخصصين بالقضايا العمالية.