بصراحة: تساؤلات برسم الحركة النقابية

بصراحة: تساؤلات برسم الحركة النقابية

◄ عادل ياسين

 

الدورة النقابية الـ25 شارفت على نهايتها، وهذا يضع على عاتق قيادة الحركة النقابية بالدرجة الأولى، وعلى كوادرها تقييم تجربة العمل النقابي بما لها وما عليها خلال الفترة المنصرمة من عمر الدورة الانتخابية الخامسة والعشرين، وبهذا الفعل إذا ما جرى، فإن الحركة النقابية تكون قد انتقلت خطوات حقيقية على طريق تطوير أدائها وبرنامجها وخطابها، وهذالا يمكن تحقيقه إلا بالتفاعل مع القواعد العمالية، أي أن تقول هذه القواعد كلمتها بممثليها والدور الذي أدوه أو لم يؤدوه دفاعاً عن مصالحهم وحقوقهم التي جرى الانتقاص منها والاعتداء عليها من خلال تبني السلطة التنفيذية لنهج الاقتصاد الليبرالي (اقتصاد السوق الاجتماعي)، المعتمد في توجهاته على ما قدمته المؤسسات المالية الرأسمالية (صندوق النقدالدولي) من اقتراحات، بل أوامر، والتي تجلت في فتح الأسواق السورية أمام البضائع الأجنبية، وتحرير الأسواق وعدم إخضاعها للرقابة، وتقليص دور القطاع العام (الصناعي ــ الزراعي)، وإعادة هيكلة اليد العاملة باتجاه تقليصها وتخفيض أجورها الحقيقية، وكذلك انسحاب الدولة من دورها الاقتصادي والاجتماعي في التحكم بنسب الفقر والبطالة والاستعاضةعن آليات الدعم التي من المفترض أن تتحملها الدولة تجاه الفقراء بالهبات والمساعدات تحت عنوان (صناديق الحماية الاجتماعية)، وتقديم التسهيلات الواسعة للقطاع الخاص وللاستثمارات الأجنبية والعربية التي ركزت معظمها على الاستثمار في القطاع العقاري ــ السياحي (الريعي)، فجنت من جراء ذلك المليارات من الدولارات التي أعيد تهريبها إلىالخارج من خلال القانون الذي سمح لها بتحريك أموالها وأرباحها بحرية ودون سؤال، وصياغة القوانين والتشريعيات التي لا تلزم المستثمرين الوافدين لتطبيق قوانين العمل السورية على الأراضي السورية، وفي هذا انتهاك للسيادة الوطنية وانتهاك لحقوق الطبقة العاملة.

إن الحركة النقابية إذا ما أجرت التقييم المطلوب منها ستكتشف ذاك الخلل الكبير في أدائها، والذي كان من الضرورة والواجب أن يكون واضحاً وحازماً وجريئاً في مقاومة تلك السياسات الليبرالية.. فبهذا التقييم ستكتشف الحركة النقابية أيضاً أن السياسات الليبرالية وما استقدمته من استثمارات كان بمعظمها مسيساً ويخدم هدفاً محدداً تظهر آثاره الكارثية منخلال ماهو جار الآن على الأرض من أحداث وما تلتها من قرارات وعقوبات اقتصادية ستكون أضرارها كارثية على فقراء الشعب السوري وعلى الاقتصاد الوطني بمجمله.

والأسئلة الهامة في هذا السياق هي: لماذا لم تأخذ الحركة النقابية موقفاً معارضاً للسلطة التنفيذية بسبب تطبيقها لبرامج المؤسسات المالية الرأسمالية؟

ولماذا كانت الحركة النقابية تصر دائماً على تمسكها بخيارها التشاركي وتعتبر نفسها مسؤولة مثل الحكومة عن القرارات والتوجهات الجاري تبنيها من قبلها؟

ولماذا لم تستطع الحركة النقابية حل الكثير من الإشكالات التي راح يتكرر حصولها وعلى رأسها تسريح العمال في القطاع العام والخاص وعدم تثبيت العمال المؤقتين، وإقرار قانون العمل الجديد، وعدم زيادة الأجور في القطاع الخاص.

ولماذا لم تستطع الحركة النقابية جذب عمال القطاع الخاص إلى التنظيم النقابي ورهن ذلك بالحوار مع أرباب العمل الرافضين للموضوع شكلاً ومضموناً؟

ولماذا رضخت لتوجهات الحكومة في تأجير المرافئ وبعض المعامل والمواقع السياحية على أنظمة استثمار مختلفة جميعها تصب في خانة الخصخصة على الطريقة السورية؟

إن الإجابة عن تلك التساؤلات سيضع الحركة النقابية في مواجهة سؤال آخر وهو: ماذا سيكون أداء وبرنامج وخطاب الحركة النقابية القادم على ضوء ما هو جار من تحولات وتطورات سياسية واجتماعية؟ وهل ستدار الانتخابات النقابية القادمة بالطريقة والأدوات والعقلية نفسها التي أنتجت على مدار عقود هوة واسعة بين الحركة النقابية والعمالية؟

إن دور الحركة النقابية في ظل هذه الظروف المعقدة لابد أن يكون أكثر فاعلية وحضوراً في التأثير بما هو جار لجهة الدفاع عن الوطن والدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب السوري السياسية والاقتصادية، بما فيها حقوق الطبقة العاملة، وهذا يكون بمواجهة قوى السوق والفساد الكبيرين، والدفاع عن القطاع العام وتطويره وتخليصه من ناهبيه لأنه الضمانةالحقيقية في تأمين احتياجات الشعب السوري في مواجهة العقوبات الاقتصادية التي سيتأثر بها هو، وليس غيره، وهذه المهمة الوطنية الكبرى لن يضطلع بها أحد سوى الحركة النقابية والحركة العمالية باعتبار أن النقابات لديها من الكوادر والانتشار الواسعين بما يمكنها من التصدي لهذه المهمة، وكذلك المصلحة الوطنية الكبرى تقتضي أن تكون النقابات فيمقدمة القوى التي ستحمي هذا الوطن من كل أشكال العدوان الداخلي والخارجي.

إن قيام الحركة النقابية بهذا يتطلب منها:

النضال من أجل تثبيت استقلالية الحركة النقابية دستورياً طالما يجري إعادة النظر بهذا الدستور وعلى رأس ذلك تثبيت حق الطبقة العاملة بالإضراب والتظاهر السلمي دفاعاً عن حقوقها وقراراتها.

التأكيد على استقلالية قرارها وخضوع هذه القرارات لما يقره أعضاؤها ولما توجبه مصلحة الطبقة العاملة. وإعادة النظر بقانون التنظيم النقابي بما يحقق التأكيد على استقلالية الحركة النقابية.

التأكيد على ممارسة الحريات النقابية والديمقراطية التي أقرتها الاتفاقيات الدولية والعربية، وعلى رأسها حرية الطبقة العاملة في انتخاب ممثليها وحرية عزلهم إذا لم يثبتوا إخلاصهم لحقوق ومصالح الطبقة العاملة.

إن فتح حوار واسع وشامل ترعاه الحركة النقابية وتشارك به كل القوى الوطنية والخبراء الحقوقيون والاقتصاديون حول دور الحركة النقابية السياسي والاقتصادي والاجتماعي القادم، سيكون نقلة نوعية في إعادة الاعتبار للعمل النقابي الديمقراطي الحقيقي الذي سيعتبر القلعة المقاتلة دفاعاً عن الوطن وفي مواجهة الفساد الكبير وقواه في الدولة والمجتمع،وسيعزز كذلك وحدة الحركة النقابية والعمالية على أساس المصالح الوطنية المشتركة.