اتحاد الشغل ومشروع دستور الجمهورية التونسي
إن مساهمة الاتحاد العام التونسي للشغل في رسم ملامح النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والتأسيس لجمهورية ديمقراطية اجتماعية أساسها سيادة الشعب، وجوهرها الحرية والعدالة الاجتماعية، تجد تكريسا لها في مشروع الدستور الذي أعدّه الاتحاد اقتناعا بدوره الطلائعي في المسار الانتقالي، وفي عملية البناء الديمقراطي، وإرساء أسس صلبة للجمهورية الديمقراطية التي يكون البعد الاجتماعي، واستحقاقات الطبقة الشغيلة من المكونات الأساسية فيها، ويؤمن للشعب التونسي حياة سياسية واقتصادية، واجتماعية وثقافية تقوم على المواطنة الكاملة الرافضة لجميع أشكال التمييز والإقصاء والتهميش
إن الدستور هو ترجمة لخيارات سياسية واقتصادية واجتماعية معينة، ووفاء لثوابته، وتماشياً مع استحقاقات ثورة الكرامة والحرية، يدافع الاتحاد العام التونسي للشغل عن ديمقراطية اجتماعية تجد تجلياتها السياسية، والمؤسساتية ضمن دستور ديمقراطي اجتماعي.
ينطلق تصور مضمون الدستور الذي يقترحه الاتحاد من الواقع السياسي الاجتماعي لتونس ماضياً وحاضراً مع الاستئناس بالتجارب الدستورية المقارنة مرتكزا على جدلية القطيعة والتواصل، قطيعة مع الاستبداد السياسي والحيف الاجتماعي، وتواصلاً مع مكتسبات الشعب التونسي، وهويته العربية الاسلامية.
لذلك ضمّت التوطئة أسس ومنطلقات صياغة مشروع الدستور، والقيم التي يستند إليها من جهة، والأهداف التي يطمح إلى تحقيقها من جهة أخرى عاكسة بذلك ثوابت الشعب التونسي، وطموحه إلى بناء مستقبل أفضل.
كما يرتكز تصور الاتحاد لمنظومة الحقوق والحريات العامة، والفردية على مبدأ شمولية، وعدم قابلية حقوق الإنسان للتجزئة، إذ أن تكريسها يستوجب احترامها في كل المجالات السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية، وضرورة ضمانها وتكريسها دستوريا بفصول الدستور، وعدم اعتبارها مجرّد إعلان نوايا يسترشد بها المشرّع العادي مثلما هو معمول به بأغلب الدساتير الليبرالية، وخاصة الحق في الإضراب والحوار الاجتماعي، والحق في التنمية… إلخ. كما يستند الاتحاد العام التونسي للشغل في مشروع الدستور الذي أعده على المرجعية الكونية لحقوق الإنسان (المعاهدات والمواثيق الدولية).
إن الخيارات الاقتصادية والاجتماعية يستحيل مناقشتها في ظل أجواء استبدادية، ولا تستقيم إلا في نظام سياسي قائم على الفصل بين السلطات، والتداول السلمي على السلطة والتعددية، وخاصة نظام قائم على التوازن والتفاعل الإيجابي بين السلطة يضمن آليات مراقبة متبادلة حتى لا تستبد سلطة على حساب السلطة الأخرى، لذلك اتجه الخيار نحو تكريس نظام شبه رئاسي يجمع بين خصائص النظام الرئاسي، ومميزات النظام البرلماني.
لكن بتبني منظومة الحقوق والحريات العامة بجميع أصنافها (الجيل الأول والجيل الثاني والجيل الثالث) ونظام سياسي قائم على الفصل بين السلطات، لا معنى له، دون توفر ضمانات وآليات دستورية توفّر احترام هذه المنظومة، لذلك اتجه مشروع الاتحاد إلى تكريس قضاء دستوري يسهر على التثبث من احترام القواعد القانونية لأحكام الدستور عبر محكمة دستورية تمارس نوعين من الرقابة، وذلك عن طريق الدعوى و الدفع.
إن التأسيس لجمهورية ديمقراطية أساسها سيادة الشعب لا يمكن أن تتحقق دون قضاء مستقل ومحايد لا يخضع بأي شكل من الأشكال للسلطة التنفيذية، وهو ما أكده مشروع الدستور عندما نص على أن السلطة القضائية مستقلة، واعتبارها سلطة مثل السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، ولم يعد ممكنا مثلما كان الشأن في دستور 1959 الحديث فقط عن استقلالية القضاة دون استقلالية السلطة القضائية وقد تم ذلك بتوفير الضمانات الهيكلية والوظيفية لتحقيق هذه الاستقلالية.
كما أن التنمية تمثل مساراً اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً شاملاً، وهو حق أساسي من حقوق الإنسان يتمثّل في تحقيق المساواة، والفرص للتمكين من الموارد الأساسية، وكذلك التقاسم العادل للثروة، لذلك أكد مشروع الاتحاد على ضرورة تحقيق التنمية الجهوية العادلة، وذلك لا يتم إلا عبر مراجعة المنوال التنموي القائم أساساً على المركزية المطلقة، واستبعاد الفاعلين المحليين من مراكز اتخاذ القرار، وتقديم تصور جديد حول التنظيم الإداري للبلاد التونسية قائم على اللامركزية، والديمقراطية المحلية.