عقوبات منحازة لمصلحة رؤوس الأموال!

عقوبات منحازة لمصلحة رؤوس الأموال!

تناولت «قاسيون» في عددها السابق لائحة الجزاءات للقانون رقم /17/ للقطاع الخاص، والتي اعتمدت نظاماً داخلياً لدى الكثير من معامل القطاع الخاص بعد موافقة وزارة العمل، وقد رصدنا بعض اجتهادات أرباب العمل في كيفية فهم المواد الواردة في لائحة الجزاءات وتطبيقاتها الانتقائية على قياس مزاج صاحب العمل، وعلى حساب العمال «الحلقة الأضعف» في قانون العمل رقم /17/ الذي سحب جميع المكاسب العمالية التي تحققت بالنضال المستمر للطبقة العاملة السورية في مراحل سابقة، وسنعرض قسماً آخر من عقوبات المضحك والمبكي في الآن معاً التي يتم فرضها وفق مزاج ومصالح صاحب العمل

عقوبات الحسم من أجر العامل

ورد في المادة 10/ب من لائحة الجزاءات «تودع المبالغ المحسومة من أجر العامل في صندوق خاص لتحقيق خدمات اجتماعية لصالح عمال المنشأة»، وهذا يعني إنشاء صندوق للتكافل الاجتماعي يقدم خدمات اجتماعية مثل المبالغ والإعانات في حالات الزواج والولادة والوفاة، وإصابات العمل وإجراء العمليات الجراحية، وإقامة أنشطة ترفيهية مثل الرحلات أو المباريات الرياضية.. إلخ، وهنا لابد من الإشارة أن بعض أرباب العمل وضع يده على المبالغ المحسومة من أجور العمال المعاقبين بعقوبة الحسم لمصلحة زيادة الأرباح لديه، وتجاهل تنفيذ نص المادة 10/ب في ظل غياب الرقابة والمحاسبة من الجهات المعنية، وعلى رأي المثل الشعبي القائل «يعطيك بيده اليمنى ويأخذها بيده اليسرى».

مخالفة الانصراف عن العمل بأمور 

مختلفة كقراءة المطبوعات أو توزيعها

كما وردت في الجدول رقم2 من لائحة الجزاءات تحت بند «مخالفات تتعلق بنظام العمل» وعقوبة هذه المخالفة في جميع المرات التي تتكرر فيها هذه المخالفة هي الحسم من أجر العامل وزيادة مقدار الحسم في كل مرة. ومن الملاحظ أنه تم تشديد العقوبة واستبدالها بالفصل من العمل، وإنهاء العقد من صاحب العمل لكل عامل يقوم بإدخال أو توزيع أي جريدة تنحاز لمصلحة العمال في الدفاع عن حقوقهم، ورفع مستوى الوعي الطبقي لديهم عبر تنظيم العمل النقابي والمطلبي في المعمل، إذ يعتبر الكثير من أرباب العمل أن الصحافة الوطنية المنحازة لحساب العمال بمثابة خطر داهم وجب التعامل معه بكل الوسائل القمعية دون رحمة أو شفقة، فكل من يقرأ يرتكب جرماً أو فعلاً شائناً يتنافى مع أخلاق رأس المال وصاحب العمل!!.

مخالفة جمع نقود أو إعانات أو توقيعات بدون أذن

حيث وردت في الجدول رقم3 من لائحة الجزاءات تحت بند «مخالفات تتعلق بسلوك العامل» والعقوبة المنصوصة عنها لهذه المخالفة تشمل حسم أجرة خمسة أيام في المرة الأولى لارتكاب المخالفة، وتأخير موعد استحقاق علاوة الترفيع لمدة لا تزيد عن السنة في المرة الثانية، وحرمان من علاوة الترفيع الدوري في المرة الثالثة، والفصل من الخدمة وفق أحكام القانون في حال تكرار المخالفة للمرة الرابعة، وهنا فقد تم توظيف واستثمار هذه العقوبة بأعلى مستوى من التشدد «الفصل» لكل عامل يقوم بتنظيم العرائض المطلبية من أجل زيادة الرواتب والأجور أو تحسين بيئة وشروط العمل.. إلخ، وقد ذهب ضحية هذه العقوبة الكثير من العمال الناشطين في النضال المطلبي. إن هذه العقوبة المنصوص عنها في لائحة الجزاءات يجب تطبيقها بحق ذوي الضمائر والنفوس الضعيفة التي تستغل الوظيفية أو المنصب لجني أموال مسروقة وليس لمحاسبة منظمي العرائض المطلبية التي تهدف لتحصيل حقوق العمال المشروعة والمحقة، ولا تجوز المساواة بين السارق والعامل النشيط في النضال المطلبي، وعلى رأي المثل الشعبي القائل «بتصرف» من أرباب العمل «من يأخذ مالك أو يطالب بحقوق عمالك خذ روحه فوراً».

مخالفة إفشاء أسرار المنشأة

نص الجدول رقم4 من لائحة الجزاءات على الأفعال والمخالفات التي أجازت المادة 64 من قانون العمل إنهاء عقد العمال دون إخطار أو مكافأة أو تعويض، ويندرج تحت هذا البنذ مخالفة «تمكين الغير من معرفة الأسرار الخاصة بمنشأة صاحب العمل» وهنا يحق لصاحب العمل فصل وإنهاء عقد العامل الذي يقوم بإعطاء أي معلومات للصحافة أو نشر أي مقال يتناول معاناة وهموم العمل وأوضاعهم المعاشية في ظل الرواتب الهزيلة التي لا تسمن أو تغني عن جوع، كما تشمل العقوبة كل عامل ينشر صورة آلة أو منتج في المعمل الذي يعمل به العامل، علماً أن أغلب المعامل لديه مواقع الكترونية خاصة تعرض فيها الصور والتفاصيل المتعلقة بآلياتها وأدواتها، ومنتجاتها التي تسوقها عبر هذا الموقع الكتروني في البلد وأنحاء العالم.

إلى متى هذه الاجحاف الممنهج بحق عمال دفعوا الغالي والنفيس لأجل إعلاء اسم الوطن؟!. 

في تناقضات قانون الصرف

بإصدار قرار الصرف، فإن العامل المصروف من الخدمة تصفى حقوقه كما لو انتهت خدمته بالاستقالة أو بلوغ السن القانوني، ومع ذلك أجازت المادة /137/ إعادة استخدام العامل مرة أخرى بموافقة من رئيس مجلس الوزراء، ولم تحدد هذه المادة مدة معنية يجب انقضاؤها قبل إجازة إعادة استخدامه.

 وبموجب المادة /137/ من القانون /50/ الذي حلَّ محلَّ القانون رقم /1/ لعام 1985، فإن قرار الصرف من الخدمة يقبل الطعن أمام القضاء المختص عند قيام المقتضى القانوني، والقضاء المختص هو محكمة البداية المدنية للعاملين في الدولة التي تقبل الأحكام الصادرة عنها الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في مجلس الدولة.

 وفي الآونة الأخيرة، كثرت قرارات الصرف من الخدمة، وحسبما أشارت خواتيم هذه القرارات فإن جمعيها تقريباً كانت لأسباب تمس النزاهة. لاشك أن هذه العملية مطلوبة، ولو أن في ذلك مخالفة لمنطق تأمين فرص العمل أو معالجة ظاهرة البطالة المتزايدة، ولكن السؤال هو: هل فعلا عملية الصرف تمس النزاهة والفساد؟!.

إن هذه الطريقة بالتسريح الكيفي أو التعسفي غير المنضبط بمعايير أو بأسباب موجبة ساعدت على الصرف من الخدمة لعدد من العاملين لأسباب لا تتعلق بالنزاهة أو بأخلاق الوظيفة، وإنما بدوافع كيدية أو لمحض افتراءات نُسبت إليهم.

من هنا لابد من الإشارة إلى أن المادة /137/ المذكورة كانت وما زالت سلاحاً خطيراً خاصة لما فيها من تأثير على مستقبل وسمعة العامل المصروف من الخدمة وعائلته.