تعددت الأسباب.. والتسريح واحد؟!
شعار «مكافحة الفساد» المرفوع من الحكومة، والذي بمقتضاه تقوم بعمليات التسريح للعاملين في الدولة على أساس ارتكابهم لجرم الفساد المالي أو الإداري حسب الصكوك الصادرة عن الجهات صاحبة الصلاحية في التسريح بناء على اقتراح من الوزير المختص
هذا الفعل«التسريح» أخذ بالتوسع باعتباره الشكل الفعال «لمكافحة الفساد» الذي أصبح ظاهرة خطرة أضرت بالاقتصاد الوطني بشكل عام وبالمال العام بشكل خاص مما استوجب مكافحته كي يسترجع الاقتصاد الوطني عافيته، وهذه المكافحة التي استفحلت خلال العام الفائت اتجهت نحو المستضعفين من الموظفين الذين لا سند لهم، أو كما يقال بالعامي غير مدعومين من جهات أو أفراد قادرين على حمايتهم، والمسرحين أنواع منهم المتهمون بالفساد الإداري، والمالي، وأحياناً دون أسباب واضحه وصريحة توجب التسريح وفقاً لقانون العاملين الموحد الخاص بالعاملين في القطاع العام على أساس لجنة تنظر في الاتهام، وتقرر بموجبه التسريح من عدمه، والغالب في قراراتها التسريح دون أن يكون للعامل الحق في الاعتراض على قرار التسريح من خلال القضاء المفترض أن يكون له الكلمة الفصل في صحة الإدعاء على العامل من عدمه، وغياب القضاء عن الفصل في الدعوى العمالية هو هتك لحق العمال في الدفاع عن حقوقهم، وفي مقدمتها حق العمل الذي تكفله الدولة وفقاً للدستور السوري الجديد، وتحت هذا الغطاء تم تسريح العديد من العاملين لأسباب سياسية.
النوع الجديد من التسريح الذي طفا على السطح خلال الأزمة، هو التسريح لأسباب أمنية يحرم العامل المسرح من حقوقه كافة ومنها حقه في أموال التأمينات الاجتماعية التي كان يقتطع من أجر العامل شهرياً من أجل أن يكون له ما يعينه في الكبر، والذي يحرم منه الآن كونه مسرحاً لأسباب أمنية، والبعض من العمال الموقوفين على ذمة التحقيق ويطلق سراحهم دون توجيه آية تهمه لهم، لا يُعادون إلى عملهم بسبب غيابهم القسري عن العمل حتى لو تقدموا بما يثبت غيابهم لدى الجهة التي كانت تحتجزهم مما يزيد الطين بلة في عذابات الناس، وآلامهم التي سببتها لهم الأزمة.
كما الحلال بيَن والحرام بيَن، كذلك الفساد الكبير بيَن والفساد الذي هو نتيجه للأول، وتابع له أيضاً واضح وضوح الشمس، فإن اقتصار المكافحة على الثاني إن كان حقيقة، لا يلغي مسؤولية الفساد الكبير عن الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي هو سببها، والواجب الوطني يحتم على الحكومة إيجاد الطرق والآليات اللازمة لمكافحته، وبزواله تزول الأسباب الناتجة عنه.
عبرت الحكومة بسلوكها الذي تسلكه في مكافحة الفساد عن رؤية أحادية الجانب للمسبب الرئيسي للأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت في السنوات الأخيرة مسببة كوارث حقيقية من حيث رفعها لمعدلات الفقر والبطالة وانخفاض متزايد في المستوى المعيشي لفقراء الشعب السوري، اللاعب الأساسي فيه، السياسات الليبرالية الاقتصادية التي جرى تبنيها، حيث فتحت الأقنية للفساد الكبير كي يتوسع ويكبر، ويصبح ظاهرة تخترق جهاز الدولة والمجتمع لتشكل خطورة حقيقية ليس على الاقتصاد الوطني أومستوى معيشة الفقراء، بل يتعدى كل ذلك ليطال القضية الوطنية التي هي موضوع مساومة من الفاسدين الكبار مع أعداء الشعب السوري مما يتطلب توافق القوى الوطنية حول برنامج حقيقي لمواجهة قوى الفساد الكبير يكون الفقراء ومنهم الطبقة العاملة السورية عموده الفقري كي تكون المواجهة جذرية على طريق الخلاص النهائي من الفساد الكبير في الداخل والقوى المعادية الداعمة له في الخارج.