بصراحة : الطبقة العاملة والمسار السياسي القادم؟!
الأزمة الوطنية السورية، بتجلياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هي انعكاس للواقع الذي حمل في داخله تناقضاً عميقاً بين الكتلتين الأساسيتين في المجتمع السوري، كتلة الناهبين المستحوذين على الجزء الأساسي من الثروة المنتجة، وكتلة المنهوبين الذين بالكاد يملكون كفاف يومهم
وسيبقى الواقع كما هو حتى لو أنجزت العملية السياسية باتجاه الحل السياسي والحوار بين السوريين الذي من المفترض أنه سيؤدي إلى وقف كل أشكال العنف عبر منع التدخل الخارجي، ومنع القوى المتشددة في الطرفين من إفشال، أو عرقلة ما يريده الشعب السوري، وخاصةً المتضررين منه وهم الأغلبية من حلول يجري التوافق حولها على طاولة الحوار، والتي ستكون بمجملها ذات طابع سياسي يتعلق بتوزيع المقاعد والحقائب، وقضايا أخرى، بينما القضايا الاقتصادية والاجتماعية، ليست مجال خلاف من الناحية الأساسية، حيث هي أحد العوامل الأساسية لتفجر الأزمة، التي يعبر عنها اقتصادياً «توزيع الدخل الوطني »، بين الناهبين والمنهوبين، أي نمط توزيع الثروة المختل بشكل كبير لمصلحة قوى النهب والفساد الكبير.
يبدو أن القضايا الاقتصادية الاجتماعية، ستبحث بإطار إعادة تقاسم الحصص بين القوى المختلفة سياسياً ولكنها متوافقة على السياسات الليبرالية كنهج أساسي للاقتصاد الوطني، مما سيعيد إنتاج الأزمات المختلفة المتمثلة بارتفاع نسب الفقر والبطالة، والتهميش، وفي الوقت نفسه، القضايا الاقتصادية الاجتماعية يجري بحثها منذ فترة في مراكز الأبحاث والدراسات الغربية والعربية، والهيئات التابعة للأمم المتحدة«الأسكوا» تحضيراً لليوم الأول لما بعد الأزمة، والسؤال الذي لابد من طرحه: كيف ستواجه القوى الوطنية برنامج القوى المتبنية للنهج الليبرالي، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً؟
الأجابة عن هذا السؤال تحدده برامج القوى السياسية والمجتمعية، وممارستها على الأرض أثناء الأزمة، و اليوم الأول لما بعدها، الذي عبره، ومن خلاله ستخاض المعارك المختلفة التي هي أشد ضراوه بالمعنى السياسي من المعارك الدائرة الآن، حيث تحتاج لحشد القوى المتضررة من الأزمة وفي مقدمتها الطبقة العاملة السورية، التي لها مصلحة جذرية في النضال لمواجهة البرنامج الذي أوصلها إلى حافة الجوع والفقر والتشرد، والحشد يعني التنظيم، والتنظيم يحتاج إلى قوى مُنظِمة تحمل البرنامج الذي يعبر عن مصالحها الحقيقية، وتقتنع به كي يتحول هذا البرنامج إلى قوه مادية تتسلح به الطبقة العاملة دفاعاً عن حقوقها الاقتصادية والسياسية والديمقراطية.
إن الحركة النقابية جزء هام من القوى الوطنية التي يقع على عاتقها مواجهة القوى الليبرالية وسياساتهم في الداخل والخارج، الساعين للتفاهم فيما بينهم اقتصادياً واجتماعياً بالرغم من الخلاف السياسي الظاهر حول شكل وطريقة حكم سورية القادمة، مما يتطلب صياغة برنامج مستقل يحدد رؤية الطبقة العاملة في السياسة والاقتصاد، أي طبيعة الحكم، وشكله، والنهج الاقتصادي، الذي سيحل المشاكل العميقة للاقتصاد السوري.