بصراحة : المادة الثامنة قديمها وجديدها ؟
مرَت الحركة النقابية منذ تأسيسها وحتى الآن بمرحلتين أساسيتين ولكل منهما لها سماتها السياسية والتنظيمية المختلفة عن الآخرى من حيث الأداء والتوجهات والمواقف التي تعكس في النهاية الحالة السياسية، والاقتصادية العامة في البلاد التي تعمل في إطارها الحركة النقابية
وبناءً على ذلك صاغت الحركة النقابية رؤيتها السياسية والتنظيمية من أجل تحديد المهمات، والأدوات التي ستمكنها من السير إلى الأمام في دفاعها عن حقوق ومصالح الطبقة العاملة السورية، التي تعمل قوى الرأس مال على الإقلال منها إلى الحدود الدنيا كلما استطاعت إلى ذلك سبيلا، وهذا مرهون بموازين القوى الطبقية والسياسية السائدة في كل لحظة من لحظات النضال الطبقي بين قوة العمل، والرأس مال، كلما كانت تحالفات الحركة النقابية في اتساع مع الحركة السياسية التي تتبنى مصالح وحقوق العمال الاقتصادية، والديمقراطية، وعلى قاعدة استقلاليتها التامة عن التدخل في شؤونها، ومستعدة للنضال إلى جانبهم، انعكس بشكل أفضل لمصلحة النقابات والعمال.
كانت السمة الرئيسة للمرحلة الأولى مرحلة ما قبل الوحدة ـ السورية المصريةـ، أنها مستقلة إلى حد بعيد في شؤونها التنظيمية، وفي قراراتها، وطرق نضالها ابتداء من حق الإضراب الذي مارسته، بالرغم من القمع الموجه لكوادرها، وأعضائها، وليس انتهاءً بالمواقف السياسية التي كانت تتخذها تجاه الحكومات بسبب انحيازها التام لقوى السوق، وتجاه المخاطر التي كانت تهدد الوطن سواء عسكرية كانت أم سياسية، وهذا جعل منها قوة سياسية وطنية يحسب حسابها في موازين القوى المحلية المعبر عنها بالأحزاب، والقوى ذات التوجهات السياسية المختلفة، منها المؤيد لنضال العمال، ويخوضه إلى جانبهم، ومنها المنحاز لقوى السوق طبقياً وسياسياً.
أما في المرحلة الثانية: فقد أصبحت الحركة النقابية جزءاً من النظام السياسي السائد الذي رفع شعارات ذات صبغة «اشتراكية» تحاكي طموحات العمال بالعدالة الإجتماعية، التي تؤمن حقوق العمال وترفع عنهم الغبن والجور، وهذا تحقق في العديد من القضايا الحقوقية والتشريعية، ولكن الجانب التنظيمي في عمل الحركة النقابية جرى احتواءه والهيمنة عليه على أساس المادة الثامنة القديمة، ولا يغير من واقع الحال وجود أحزاب أخرى تقتسم الكعكة النقابية في إطار انتخابات نقابية لها طابع شكلي مؤطرة بقائمة مغلقة ممنوعة الخرق إلاَ ما ندر، مما خلق هوة حقيقية بين الطبقة العاملة وحركتها النقابية فقد فيها العمال القدرة على المواجهة مع السياسات الليبرالية التي شنت هجومها الواسع على مكتسبات العمال دون أن يكون هناك رد حقيقي من قبلهم يمنع أفعالها الكارثية على الاقتصاد الوطني وعلى حقوق العمال ومصالحهم.
إن الفضاء السياسي الجديد المتكون على أساس المادة الثامنة الجديدة لابد للحركة النقابية فيه من موقع يُخرجها من دائرة الظل إلى العلن الذي يؤمن الحريات النقابية والديمقراطية للطبقة العاملة السورية وحركتها النقابية، ويُفعل العمل الوطني، وفي ذلك مصلحه لسورية القادمة المتطورة والمقاومة