كرة القدم في الفنّ السابع... «أكثر من مجرد لعبة»
ليست مجرد رياضة، خصوصاً بالنسبة إلى البلدان النامية والفقيرة. تستحضر المباريات أحياناً محطات تاريخية عن ماض مليء بالحروب والاستعمار والاستغلال وواقع مثقل بالفقر والحرمان. في مناسبة مونديال 2014، جولة على أبرز الأفلام التي تعمّقت في إبراز المعاني والأبعاد المختلفة التي تطفو إلى السطح مع أول ركلة!
تمثّل كرة القدم اللعبة الأكثر شعبية في العالم. إنّها أكثر من مجرّد رياضة في البلدان النامية. هي ثقافة ونافذة أمل وتحدّ بين مدرسة الشارع والأكاديمية المحترفة. تستحضر مبارياتها أحياناً محطات تاريخية عن حروب أو استعمار أو ما شابه. أكثر من فيلم سلّط الضوء على المعاني التي تحملها هذه الكرة الصغيرة لدى البلاد الفقيرة.
لكولومبيا قصة مختلفة مع كرة القدم، كان لها حقبتها الذهبية في التسعينيات مع أسماء كفالديراما ورينكون واسبريلا والحارس هيغيتا البهلواني والكابتن اندريس اسكوبار، ونجحت في التأهل لتصفيات كأس العالم 1994، المونديال المشؤوم الذي فاجأ فيه اللاعبون الكولومبيون العالم بمستوى متدنِّ لم تعرف أسبابه. عاد المنتخب الى كولومبيا بعد خروجه من الدور الأول ليتلقّى لاعبوه بعد أيام خبر اغتيال كابتن المنتخب أندريس اسكوبار، وكان قد سجّل هدفاً عن طريق الخطأ في مرماه في المباراة الأخيرة. أدّت هذه الحادثة الى اعتزال لاعبين واستقالة آخرين من المنتخب الذي غاب عن الواجهة لسنوات.
الفيلم الوثائقي «الثنائي اسكوبار» (2010) لجيف ومايكل زيمباليست، استعاد تلك الحادثة وانطلق منها لسرد قصة كرة القدم في كولومبيا. للمفارقة، لا تنفصل هذه اللعبة عن تجارة المخدرات وعصاباتها، المسيطرة أو المالكة لنوادي كرة القدم المحلية، وتراهن بالمال على نتائج مبارياتها. من بين هؤلاء بابلو اسكوبار الشهير، زعيم تجارة المخدرات العالمي وعاشق كرة القدم.
في بلد فقير، تسوده البطالة والفساد والأحياء الفقيرة، لا مكان لكرة القدم الّا في الشارع ولا استمرارية لها الّا من مال المخدرات، ولكن كيف لرياضة تمثّل الأمل والانفتاح والوجه الإيجابي لبلد أو شعب أن ترتبط بمال المخدرات؟ من خلال هذه المعادلة، يسرد الفيلم وقائع تلك الحقبة الموثقّة بأرشيف غني، تنتقل الأحداث بشكل رئيسي بين أندريس اسكوبار، كابتن المنتخب المهذّب، الجدّي، اللاعب الماهر الذي يبذل كلّ جهده على أرض الملعب ويحرص على تقديم أفضل صورة عن بلاده، وبين بابلو اسكوبار تاجر المخدرات الثري، الزعيم النافذ الذي اغتال شخصيات عارضت ترشّحه للانتخابات وشنّت حملات واسعة ضد تجارة المخدرات، وهو الوجه الذي أرادت كولومبيا التخلّص منه واستبداله بإسكوبار الكابتن. الا أنّ بابلو كان صديق اللاعبين الحميم والوفي. تكشف الأحداث والشهادات عن وجه آخر لإسكوبار الزعيم. هو أيضاً الشخصية المحبوبة التي تساعدهم وتحميهم في غياب الدولة. تدخّلت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والموساد الى جانب قوات الأمن الكولومبية بهدف القضاء عليه، ولم ينجح هؤلاء الّا بعد لجوئهم إلى حرب عصابات محلّية ضارية، ذهب ضحيتها العديد من الأبرياء. الأهمّ أن الفيلم يوثّق الضغوط والتهديدات التي تعرّض لها لاعبو المنتخب ومدربّهم أثناء المشاركة في كأس العالم، من قبل رجال العصابات الذين تخطّوا الخطوط الحمر بعد مقتل بابلو اسكوبار، وأرادوا التدخل في تشكيلة المنتخب وملامة اللاعبين على نتائج رهاناتهم، وانتهى الأمر بهم الى اغتيال اللاعب الذي كان يمثّل أملاً لبلاده. صور أندريس اسكوبار العملاقة كانت حاضرة في مباريات منتخب كولومبيا خلال المونديال الحالي، وقد نجح المنتخب في بلوغ مرحلة الربع نهائي للمرة الأولى في تاريخ مشاركاته في كأس العالم.
هذا التعويض المعنوي الذي تجده جماهير هذه البلاد في انتصارات منتخباتها وبروز لاعبيها عالمياً، يظهر أيضاً في وثائقي «مارادونا» (2008) لإمير كوستوريكا. ذهب المخرج الصربي للقاء اللاعب الأسطورة محاولاً تفسير هذه الشهرة الكونية للاعب كرة جاء ايضاً من شوارع وأحياء الأرجنتين الفقيرة. وجد كوستكوريكا نفسه أمام لاعب يتكلم في السياسة والنضال ضد الإمبريالية ويوشم جسده بصور كاسترو وتشي غيفارا، ويستقبله هوغو تشافيز ويكرّمه.
ينتقل المخرج من صورة اللاعب النجم المشهور ليصوّر العزاء التي تمثلّه لعبة كرة القدم للجمهور حين يسجّل ماردونا في شباك المنتخبات الكبرى، خصوصاً منتخب انكلترا أو الولايات المتحدة، فيصورّه كأنّه يسجّل في مرمى جورج بوش وطوني بلير والملكة اليزابيت. مارادونا نفسه لا يفصل بين كرة القدم والسياسة خصوصاً حين يصف كل ما تعرض له من شائعات وحملات وتوقيفات بالمؤامرة.
الى جنوب افريقيا، يستعيد فيلم «أكثر من مجرّد لعبة» (2007) للمخرج جُنيد أحمد حقبة الاحتلال البريطاني، ونضال يخوضه المعتقلون الأفريقيون داخل السجون يبدأ بالمطالبة بلعب كرة القدم الى أن ينجح المعتقلون في انتزاع حقهم. يقومون بتنظيم اتحاد ودوري صغير لكرة القدم يكون وسيلتهم للبقاء ولمقاومة الاعتقال والتوحّد في شتى المطالب. وفي أحد الأيام يُنقل نيلسون مانديلا الى المعتقل نفسه الذي تحوّل الى مجتمع يتنفس كرة القدم.
اختار الإيراني جعفر بناهي في فيلم «تسلّل» (2006) تسليط الضوء على تحركات المرأة الإيرانية لتحصيل حقوقها، فيصوّر مغامرة تقوم بها بعض الفتيات اللواتي يتنكّرن بزي شباب للتمكن من حضور مباراة المنتخب الإيراني في طهران، وهو الأمر المحظور على النساء في الجمهورية الإسلامية. الصعوبة لا تكمن في التهرّب من رجال الأمن فحسب، بل في خداع الرجال والشبان المتجهّين الى المباراة والمتجمهرين على المدرجات.
المصدر: الأخبار