ربمــا..! عصر الجمهوريّات الثّانية
كان لتونس وشعبها قصب السّبق في افتتاح العصر العربيّ الجديد، عصرِ الشّعب السّيد والحرّ. وكان لمصر التي تسلّمت الرّاية على الفور الفضل، بحكم موقعها ومكانتها في الوجدان العربي، أن تعربن تلك الحالة وتشعبنها وتجعلها قابلة للتصدير..
وبوصول الثورة إلى ليبيا التي أخرجها المهرّج الجماهيريّ من نفسها، وتصاعد حمّى الإبادة للشّعب الّذي قال: لا.. إضافة إلى ما يجري في الجزائر والبحرين واليمن.. بذلك كلّه يكتب الشّعب العربيّ بدمه عنواناً جديداً لحقبة ستقود إلى «الجمهورية الثّانية»، بعد أكثر من نصف قرن على نشوء «الجمهوريات» أو «الجملكيات» التي كرّست الاستبداد والصوت الواحد وغيّبت التّنمية في مختلف المجالات، وعملت على تطويب خرافة الغول الأمني من أجل حماية استثمارها العام لثروات ومقدّرات الأمّة، ما جعل الجمهوريّة تنقلب على كلّ معاني الجمهوريّة.
في هذه اللّحظة التّاريخية السّاطعة الّتي خرج فيها الشّعب مارداً كسر قمقمه ليقول كلمته.. في هذه اللّحظة الّتي تستعيد فيها الحرية اسمها والحياة معناها.. في هذه اللحظة ينفتح باب الجمهوريّة العربيّة الحقيقية القائمة على إرادة الشعب، والمسمّدة بحقوقه الأساسيّة في الحياة والمأكل والكرامة، والمرفوعة على تطلعاته في الحريّة الوطنية والقومية، وهذا يعني، بشكلٍ أساسيٍّ، فتح الأعين والبصائر على ضرورة العمل لاستمرار الثورة حتّى تحقق مبتغاها، ولا سيما أن ثورتي تونس ومصر لا تزالان تتعرضان لمحاولات التفافيّة قذرة تروم العودة إلى الوضع السّابق على الثّورة، وإجهاض منجزاتها.
الشّعب الّذي أراد وفعل، وعرف كيف يفعل بما جعله أمثولة للأحرار في العصر الحديث لشعوب العالم المتعطّشة لخلاصها.. هذا الشّعب يجب أن يستمرّ في صعوده إلى أن يكفل خبزه وكرامته، صحيح أنّ الشّباب هم من فجّروا طاقته الثّوريّة، لكنّها لم تعد ثورات شبابيّة بل مكتسبات شعبيّة تعبّد الطريق إلى الجمهورية الثانية وتحصنها.. والتي يجب ألا تقع أبداً في براثن الطامعين الإمبرياليين المتربصين بها.
الثورات فعلت الكثير، لكن أبرز آثارها أنّها أعادتنا عائلة واحدةً حقّاً...!!