«أنا المخرج» لنادين شمس.. درس سينمائي
10 حوارات مجموعة في كتاب واحد. 10 حوارات معمّقة في أصول التمثيل السينمائي، والعلاقة القائمة بين المخرج والممثل، وكيفية اختيار الأول للثاني، وآلية الاشتغال المفترض به أن تحضر بينهما.
الكاتبة والناقدة المصرية الراحلة نادين شمس (1972 ـ 2014) اختارت عنواناً واحداً (التمثيل السينمائي من وجهة نظر المخرج) كي ترسم معالم تقنية ودرامية وجمالية لفعل التمثيل، وكي تُظهر رؤية المخرج للممثل، كما للشخصية المطلوب من الممثل تأديتها، وكيفية تمثيله إياها أمام الكاميرا. «أنا المخرج، شهادات حول فن التمثيل» («دار ميريت»، القاهرة، الطبعة الأولى، 2014) قراءة معمّقة وتحليلية مستندة إلى نقاشات فنية وجمالية ودرامية، صنعتها الكاتبة في لقاءاتها المخرجين العشرة، لتفكيك بعض تفاصيل تلك العلاقة، ولإعادة تحديد مفاهيم سينمائية، كبناء الشخصية، واختيار الممثل، والفصل بين الممثل والشخصية وبين الممثل ونجوميته.
الحوارات المختارة للكتاب منشورة في المجلة السينمائية الشهرية المصرية «الفن السابع» (توقفت عن الصدور منذ أعوام مديدة) على مدى عام واحد (تموز 1989 ـ حزيران 1999). المجلة نفسها، تستحقّ استعادة نقدية للدور الثقافي ـ الفني الذي مارسته 4 أعوام متتالية. دور سجالي غالباً، كانت الحوارات هذه جزءاً أساسياً منه. حُذفت الأسئلة من الحوارات، وتحوّلت الأجوبة إلى نصوص جعلها المخرجون شهادات تعكس شيئاً أساسياً من نظرتهم إلى التمثيل والممثلين والممثلات المختارين لتأدية أدوار متفرّقة في أفلامهم. حَذْف الأسئلة أمرٌ محمودٌ، لأنه هادفٌ إلى تحرير النصوص من بنيتها الصحافية، لقراءة مضامينها بشكل منفرد، من دون أن تغيب براعة الأسئلة وحُسن إدارة الحوار و«الاستفزاز» الجميل والعمق الثقافي للمُحاوِرة عن الشهادات كلّها. القراءة الهادئة للشهادات كفيلة بكشف هذه الأمور المبطّنة في طيّات الأسطر والأفكار والسجال النقدي: «اختارت نادين، في الصياغة النهائية، أن تُحرِّر الحوارات من الأسئلة. أن تتوارى قليلاً لتترك المجال للمخرجين ليستفيضوا، في محاولة لاقتناص عبقرياتهم المتنوّعة في إدارة الممثل» («توضيحات»، ص. 221).
10 حوارات مع 10 مخرجين هم: محمد خان، وخيري بشارة، وعلي بدرخان، ورأفت الميهي، وسعيد مرزوق، وشريف عرفة، ويُسري نصرالله، ورضوان الكاشف، وسمير سيف، وكمال الشيخ. حوارات منتمية إلى مشروع عملت نادين شمس عليه حينها، وأكملته بحوارات مع ممثلين يُتوقّع جمعها في كتاب آخر يصدر لاحقاً. حوارات تكشف نقاطاً عديدة مشتركة بين المخرجين: الإحساس الذاتي، الرغبة في إخراج بعض الحرفية المطلوبة من ممثل معيّن، العمل على فصل الممثل عن ذاته ونجوميته وإدخاله في أعماق الشخصية. هناك أيضاً الفرق في العلاقة بين المخرج والممثل المحترف أولاً، والممثل المبتدئ ثانياً. السعي إلى اختيار ممثل لتقديم شخصية تكون مناقضة تماماً لأفكاره ومزاجه الاجتماعي ـ النفسي: «إحساسي هو الذي يقودني في الأساس نحو الممثل»، يقول خان عن الممثلين الجدد. أما عن المحترفين، فالمسألة تبدأ بـ«جسّ نبض» (ص. 12). «ما يحسم هذا الأمر عندي هو إحساسي الشخصي» (علي بدرخان، ص. 49). أو مثلاً: «إذا لم يكن الممثل/ الممثلة يعي تماماً ما يجب عليه ليكون ممثلاً ـ وهي أشياء بالمناسبة بعيدة تماماً عن أن تخضع لتقييم أخلاقي ـ فليترك التمثيل. ليس الاحترام في «ماذا» يؤدّي الممثل، ولكن «كيف» يؤدّيه «أمام الكاميرا» (يُسري نصرالله، ص. 134). «الممثل ممثل. إذا لم يكن قادراً على تجسيد أي شخصية، فهو ليس كذلك» (رضوان الكاشف، ص. 162).
هذه أمثلة قليلة. الحوارات درس سينمائي يتناول منهج التمثيل وفنونه بحسب نظرة المخرج. حوارات مكتوبة بسلاسة تحمل عمقاً في التحليل، وببساطة تعكس نقاشاً مستمراً في أصول التمثيل.
المصدر: السفير