السينما والكرة.. قدمٌ تقتل ويدٌ تنتصر
نديم جرجوره نديم جرجوره

السينما والكرة.. قدمٌ تقتل ويدٌ تنتصر

لم يكن ممكناً التغاضي عن الحدث الدولي. مباريات «كأس العالم في كرة القدم» أقدر الأحداث الدولية على جذب انتباه ملايين الناس، إن لم يكن أكثرهم. السينما لم تكن بعيدة عن هذا العالم المازج في طياته رياضة واقتصاداً وثقافة وتربية واجتماعاً وأموالاً.

إدارة «مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة» تُريد المُشاركة في الاحتفال المعقود مرّة واحدة كل 4 أعوام. الدورة الـ17 (3 ـ 8 حزيران 2014) تحوّلت، في جانب منها، إلى لقاء متواضع مع سينما وثائقية تكشف جوانب من الحكايات المتناثرة على ملاعب خضراء، أو خارجها. سينمائيون عديدون يعثرون في فضاءاتها على ما يُثري نتاجاتهم البصرية. يُشبهون كتّاباً وضعوا المتخيّل الإبداعي لديهم في خدمة رياضات ورياضيين وفنون وفنانين، ونجوم يُحلّقون في أضواء الشُهرة. سينمائيون عديدون يجدون في شخصيات رياضية تمارس لعبة كرة القدم ما يعكس شيئاً من مقترحاتهم الإبداعية في مقارباتهم أحوال اللعبة وناسها وصنّاعها.

في مهرجان الإسماعيلية، حيّز لهذه الرياضة. «أفلام كرة القدم الوثائقية» عنوان يتّسع لخانة تضمّ كاميرا وعيناً ومتخيّلاً ووقائع. يتّسع لوهج اللعبة وأسرارها وكواليسها، ولشخصياتها أيضاً. السينما حكاية لا تنتهي عن قوّة الصورة في تخطّي ذاتها، عند ذهابها إلى ما هو أبعد من المكشوف. ما الذي يُمكن أن يقوله أمير كوستوريتزا مثلاً، عندما يختار مارادونا نواة لفيلم مبني على اللعبة، ومفتوح على أسئلة شتّى متعلّقة بالرياضيّ نفسه، ومتجاوزة إياه إلى فضاءات مغلقة؟ ما الذي يسعى إليه الشقيقان جف ومايكل زيمبالست وهما يتوغّلان في أعماق الحكاية المعقّدة بين لاعب كرة القدم الكولومبي الأشهر أندريس إسكوبار، الذي اغتيل في 2 تموز 1994، بعد 10 أيام فقط (22 حزيران 1994) على المباراة بين كولومبيا والولايات المتحدّة الأميركية، التي «حقّق» فيها هدفاً ضد فريقه، ما أدّى إلى فوز الفريق الخصم 2 ـ 1؟ ما الذي يجمع لاعب كرة القدم، المتوفّى عن 27 عاماً فقط، وأحد أشهر تجّار المخدرات في كولومبيا والعالم بابلو إسكوبار؟ ماذا عن السينمائي المجري توماس ألماشي، وعن اختياره لاعب كرة القدم المجريّ (الإسباني الجنسية) فرينتش بوشكاش (1927 ـ 2006)، وملاحقته في منعرجات حياته، والتقاط تفاصيل ومفاصل وتبدّلات عرفها وعاشها وعاصرها؟

ليست الأفلام الثلاثة هذه وحيدة في عالم متكامل ومتداخل بين الفنيّ والرياضي. عالم يتجاوز الفنيّ والرياضيّ إلى ما هو أبعد أو أعمق، أو إلى ما يستكملهما معاً. «مارادونا عبر كوستوريتزا» (2008) نموذج لبراعة اللغة السينمائية في إعادة تصنيع الصورة الرياضية. «بوشكاش المجر» (2009) محاولة لرسم مسار، والتعمّق في التداخلات الحاصلة بين جوانب مختلفة من الذاكرة والراهن. «الإسكوباران» (2010) لا يقف عندّ حدّ: مأساة الاغتيال جزءٌ من ألعاب أكبر وأخطر، في بلد معقود على عنف وفوضى ومتاهات. ليس الخراب حاصلاً بسبب الاتّجار بالمخدّرات فقط. «العنفوان» الوطني قاتل. الفيلم محاولة لفهم ما حصل ولماذا، أو لقراءة ما حصل ولماذا. الاغتيال منطلق أو بداية أو فصلٌ من الصورة السينمائية. الاغتيال الناتج من هزيمة منتخب وطني يُشبه لمسة اليد التي قال مارادونا ـ «الصبيّ الذهبيّ» ـ عنها بأنها «يد الله» (لمسة يده للكرة من دون إدانة من الحكم أدّت إلى فوز المنتخب الأرجنتيني في مباراته مع الإنكليز في العام 1986). الشبه كامنٌ في التحوّل إلى أسطورة عبر لغز الانتماء إلى المتخيّل: خطأ القدم أدّى إلى مقتل صاحبها، وخطأ اليد أدّى إلى انتصار ومزيد من شعبية.

الأفلام الثلاثة جزءٌ من لعبة الوثائقي في مقاربة الواقعي. جزءٌ من حكاية لعبة رياضية لم يكن ممكناً بقاؤها مجرّد لعبة ترتكز على تلك «الروح الرياضية» المنبثقة من مفاهيم التسامح والانفتاح والقبول. لعبة باتت صناعة واقتصاداً وتجارة وأموالاً، وإن حافظت على شيء من «قدسية» تلك الروح.

 

المصدر: السفير

آخر تعديل على الخميس, 19 حزيران/يونيو 2014 23:29