بين قوسين  مواعيد مؤجلة قسراً
خليل صويلح خليل صويلح

بين قوسين مواعيد مؤجلة قسراً

حاولت مراراً أن أتجاهل صوت القذائف البعيدة، إلى أن اقترب هدير الحوّامات.

الحوّامات تذهب غرباً، تعبر من أمام نافذة غرفتي. نشرة الظهيرة تتبنى أعداداً إضافية من القتلى، ومعركة في الساحة القريبة.

سأعبر الساحة بعد نحو ساعة، لا أجد آثار معركة، أو حاجزاً.

أكمل طريقي إلى مقهاي ككل يوم.

المقهى يخلو من رواده المعتادين.

أغرق في الجريدة اليومية، ثم في صفحات كتاب اقتنيته للتو بعنوان «الحرب دون أن نُحبها».

لا أحد يأتي.

هاتفي لا يرن.

الموعد الغامض مع فتاة من الضواحي يتلاشى تحت وطأة مرور الوقت.

أتخيّل أن يأتي يوم لا أجد من أجلس إليه في المقهى، وأن أكتب نصّاً عن رجل وحيد في المقهى، ينتظر أصدقاء لن يأتوا أبداً، لكنه، كعادته، سيأتي كل يوم في الظهيرة، يرتشف قهوته، ويقرأ صحيفته بضجر، ثم يغادر المكان، ليعود إليه في اليوم التالي، إلى الطاولة نفسها في الرواق الطويل، مستعيداً صخب روّاد غير مرئيين، تركوا قاموس شتائمهم وغضبهم وأشواقهم، ثم مضوا إلى غير رجعة.

الرجل الوحيد كي يسلّي وحدته، يفتح القاموس ويستعيد ضجيج وصخب جلسات قديمة، وكأن أصحابه، لم يغادروا الطاولة في الرواق الطويل للمقهى، مرّةً واحدة.

في زيارات لاحقة، سيطوّر اللعبة على نحو آخر، بأن يجمع كل من عبر طاولته يوماً في جلسة واحدة، إلى الدرجة التي لا يتذكّر فيها وجوههم جميعاً، لكنه سيدفع حساب من تسلل خلسة،  دون أن يدفع ثمن شايه.

الشوارع أيضاً شبه خالية من البشر والسيارات، ما جعله يختصر مشواره اليومي إلى مربع أصغر مما اعتاده.

اختزل أولاً، الشارع الذي ينتهي بساحة وحديقة مجاورة، إلى زقاق فرعي يفضي إلى الشارع الرئيسي المجاور لمنزله، ثم سيكتفي في نهاية المطاف بدورة التفافية واحدة، هي المسافة بين منزله والمقهى.

الرجل الوحيد في نهاية النص الذي تخيّلته، سيكتشف أن المقهى ، لم يكن موجوداً يوماً، في مكانه، لكنه سيذهب كل يوم إلى الرصيف نفسه، وينعطف يميناً، ويدخل باباً معدنياً بزجاج مكسور، وكراس وطاولات بلا قوائم.

سيرتّب جلسته على نحو ما.

ينظر إلى ساعته بوجل، خشية أن يكون قد تأخر عن موعده مع فتاة الضواحي، غير عابئ هذه المرّة بصوت القذائف وهدير الحوّامات!‏