في الليلة الظلماء
في الليلة الظلماء يفتقد البدر، والبدر هنا قد يكون الفن، وقد تكون إحدى صفاته المختزلة بكلمة واحدة، غالباً ما ترافقه عند مدحه وتترادف معه وهي كلمة «الأصيل».
توفي الممثل اللبناني أنطوان كرباج، الأحد 16 من الشهر الجاري عن عمر ناهز 89 عاماً، بعد صراع مع المرض. استعاد كثيرون حوارات شخصيات لعبها أنطوان كرباج على المسرح، وأعادوا نشرها، ولم يكن هاجسهم فقط الإخلاص وإظهار الاحترام والمحبة لقامة فنية هامة قدمت لجمهورها الكثير منذ أوائل ستينيات القرن الماضي، ولكن ثمة نوع من الحنين والافتقاد لهذا النوع من الفن الهادف والذي يتجاوز موضوع الجمالية الفنية ويتحول إلى حاجة ملحة في عالم مضطرب. يحتاج الإنسان فناً حقيقياً ليس ليعبر عنه فقط، بل ليمكنه من تجاوز أزمات الوجود وقباحتها ويمثل جزءاً من «ارشادات السلامة» في الأزمات الحادة كما عبر أحدهم.
تمكن كرباج من خلال أدواره التي تقمصها بشغف من تفسير حالات وتفاصيل يومية بتقنيات أداء عالية (صوتاً وصورة) وفصاحة في التعبير والنظرة والقسمات...
وأتحف جمهور الشاشتين والخشبة في العالم العربي بعدد كبير من الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية والمسرحيات الكوميدية طوال السبعينيات والثمانينيات مثل (كذاب تحت الطلب، أمرك سيدنا، القبقاب، أبو علي الأسمراني، بربر آغا وغيرها) وتعاون أنطوان كرباج مع العديد من الكتاب والممثلين والمخرجين، وكذلك المؤلفين الموسيقيين الكبار ومنهم الأخوان رحباني. حيث أبدع في عمله في المسرح الغنائي الرحباني.
يتذكر محبوه صوته الجهور في شخصية المهرب ملهب في مسرحية «يعيش يعيش»، وذلك الحوار البسيط والمعبر عن واقع يتلمسونه في حياتهم اليوم رغم البعد الزمني عن تاريخ عرضها في سبعينيات القرن الماضي:
ملهب: «دَخـْـلـَكْ. مينْ مُشْ عـَم يـْهـَرِّب؟! اللـِّي بيـْهـَرِّبْ ربـْحو من درب الضـَّرايبْ مانـُّـو مـْهـَرِّبْ؟ اللـِّي بيـْهـَرِّبْ السِّعِرْ عن الـِبـْضاعة مانـُّـو مـْهـَرِّبْ؟ اللـِّي بيـاخـُـدْ إشيا غـَريبـِة عَ بـلادْ غـَريبـِة بـِشـِنـَط غـَريبة مانـُّـو مـْهـَرِّبْ؟ كـِلـُّنْ مـْهـَرّبين!!»
شارك الفنان الراحل الأخوين رحباني في مسرحية جبال الصوان، ومسرحية (يعيش يعيش) وغيرها الكثير، واستمر مواظباً حيثما طلب لأدوار رئيسة، واستمرّ مع منصور وأولاده في مسرحيات نذكر منها على سبيل المثال (حكم الرعيان) وغيرها.
ما يميز المسرح الغنائي الرحباني، والذي شارك فيه أنطوان كرباج بحماس، تنوع مواضيعه وتوظيف الموروث اللبناني الحكائي والغنائي، وتحقيقه لمعادلة المشاهدة والسماع، أي إمكانية حضور العرض المسرحي، أو رؤيته مصوراً، أو سماع الناتج الصوتي لهذه العروض، وهي معادلة صعبة في المسرح وفن الصورة. يعتبر كرباج أحد أهم مُطوّرِي الأداء في المسرح اللبناني الحديث، كرّس موهبته للفنّ وقدم أعمالاً هامة لا تنسى.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1219