نحو فضاء ثقافي جديد
نقصد بالمثقف هنا هو كل من يساهم بالانتاج المعرفي – الدعائي بتفريعاته المختلفة السياسة، الأدب والموسيقا السينما الدراما التلفزيونية التشكيل، وعلى الرغم من أنه بات من الصعب تحديد هذه الفئة في ظل الثورة الرقمية والإمكانية المتاحة لاي فرد في النشر والتسويق، إلا أننا سنعتمد نماذج ممن نعتقد أنهم يعكسون المخاضات الجارية في هذا الوسط في إطاره العام.
شهد الوسط الثقافي في سورية مثله مثل عموم الشعب السوري انقساماً حاداً خلال سنوات الأزمة، بين مثقف السلطة، والمثقف المعارض بنوعيه المبتذل والجاد، والمثقف الصامت بشقيه السلبي والإيجابي، ولكن يبقى هذا التصنيف مثله مثل كل التصنيفات المشوهة التي فرضت على الوعي الاجتماعي في سورية تصنيفاً شكلياً لا يعكس حقيقة المشهد وتعقيداته، مما يستوجب عمليات فرز جديدة.
نعتقد أن الوظيفة العامة للثقافة هي إغناء العالم الروحي للإنسان، وتعزيز النزعة الإنسانية لديه، وكشف حقائق الواقع الموضوعي، ووضعها بين يدي العامة، حتى تتحول إلى برامج عمل ملموسة أو محفزّات جمالية وسنحاول في ضوء هذا المعيار نقد ما هو مهيمن في هذا الحقل، واقتراح البديل
المثقف النمطي: ويشمل من انحاز إلى السلطة البائدة، أو نموذج معارضة الائتلاف، وبرر سلوك وممارسات جماعته على الأرض، ورأت فيها المنقذ والمخلص، وعليها وحدها الرهان وكان هؤلاء فرسان النزالات التي تجري في الفضاء الإعلامي، وساهموا في تشويه الوعي الاجتماعي، وتشويه حقيقة الصراع الدائر في البلاد، وحولها... مهما تمظهر طرفا هذا النموذج بالتناقض والاختلاف هو في الأصل نموذج واحد من حيث البنية والتكوين والأدوات المعرفية، وإذا تجاوزنا المبرر النفعي الانتهازي وعطايا السلطان لاصطفافات هؤلاء، فإن أهم سمات هذا النموذج هو الخطاب الدعائي الادّعائي، والقراءات المعلبة للواقع، وخطاب يعكس الخواء المعرفي الذي يعبر عنه الفضاء الثقافي القديم.
المثقف النخبوي: هو النموذج الذي يتعالى على الواقع، وينظر إليه من البرج العاجي، يستخدم مفردات الخطاب الليبرالي، ويكرر مقولاته، وهي في الحقيقة نوع باهت من «التلبرل» الذي لا علاقة له بالنسخة الأصل من الليبرالية، فالمشكلة عنده تبدأ وتنتهي بالعلمانية، أو بديمقراطية بلا ضفاف، ناسياً أو متناسياً سياقها التاريخي، ولكونها جزءاً من مسار تاريخي عام، وتعكس بالمحصلة توازن القوى في المجتمع، وهو خطاب ردود أفعال، فطالما أن النظام يستثمر في المسألة الوطنية لتأبيد سلطته، فإن بديل هذا النموذج هو العدميّة الوطنية، أو على الأقل تجاهل هذه المسألة، وبلغت السذاجة منتهاها، عندما رأى في ثورة الشعب السوري، ثورة كرامة وليست ثورة خبز، وكأن لقمة الخبز النظيفة هي ليست من مكونات الكرامة الإنسانية، وليست من احتياجات الإنسان الأساسية.
هذا النموذج يعكس نزعة التبعية، ويحاول أن يقلد النموذج الغربي على طريقة القص واللصق، دون أن يحاول توطينها معرفياً، حسب خصائص الواقع كما هو مفترض... شهد هذا النموذج انزياحات وتموضعات متعددة خلال سنوات الأزمة، فمن الاصطفاف دون قيد أو شرط مع الثورة وصولاً إلى مغازلة قوى التطرف، حتى يمكن القول إن بعض عناصر هذا النموذج كانوا الستارة التي تصدر من خلاله النموذج الائتلافي بكل ما فيه من ابتذال إلى صدارة المشهد المعارض، ورغم محاولات إجراء مراجعات لاحقاً، لكنها لم ترتق إلى مستوى المراجعة الجادة وبقيت تدور ضمن الدائرة ذاتها.
النموذج الطائفي: هذا النموذج بشكله الصارخ عنصر طارىء على الثقافة في سورية، وانتعش خلال سنوات الحرب في ظل الهوامش التي توفرت بسبب سياسات أطراف الصراع المسلح، وهوبرة إعلام البترودولار، ودفق الخطاب الشعبوي فوجد بعض أشباه الكتبة ضالتهم لتعويض حالة الإفلاس، والسعي إلى النجومية في الانزلاق إلى مستنقع الخطاب الطائفي، وبات من الواضح أن هذا النموذج بات قيد الاستثمار كالعادة، من القوى الدولية التي تسعى إلى تعميق الفالق الطائفي نحو نموذج الدولة الهشة أو التقسيم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1217