ميدوزا: «انظري في عيني»
في مكان ما على هذه الأرض يتحرك الوقت ببطء شديد. يعيش ناسه لحظات مأساوية ترسم تفاصيل حياتهم اليومية بقسوة لا مثيل لها، يعانون وحدهم وكأنهم في عالم معزول، يحملون جراحهم وندوبهم بصبر وثبات لا مثيل له، ليس لهم ذنب فيما حدث ويحدث لهم سوى أنهم ولدوا في هذا المكان من الأرض.
تنقل الصور والفيديوهات القادمة من مخيمات النزوح الغارقة بالماء والطين في غزة شعوراً بارداً يشابه الصورة التي رسمها إدواردو غاليانو في إحدى مقولاته: «أنا لا أطلب منك أن تصف سقوط المطر، أنا أطلب منك أن تجعلني أتبلل، فكر بالأمر أيها الكاتب». تثير هذه الصورة مشاعر عميقة من الحزن على أطفال تحولوا لـ«ضحايا» حرب همجية قبل أن تتفتح عيونهم على الحياة، يموتون في أحضان أمهاتهم من البرد والجوع، وحزن من نوع آخر على مشاعر العجز وعدم القدرة على تقديم المساعدة واجتراح حلول يمكن أن تخفف أو تنهي عذاباتهم.
هل يمكن للفلسطيني أن ينسى جراحه وندوبه، وهل تستطيع الأيام أن تمحو من ذاكرته تفاصيل المأساة التي يعيشها بسبب كيان غاصب وعدو يتفنن في وحشيته وإجرامه وسط صمت دولي وإعلامي واضح الانحياز للعدو.
ثمة وهم يتم تداوله إعلامياً حول علاقة الإمبريالية الأميركية بالعدو الصهيوني، واعتبارها مجرد «داعم» له، بينما هي فعلياً «شريك» أساسي له في كل جرائمه، سواء في الخطاب العنصري الهمجي المشترك ضد الفلسطينيين واللبنانيين، أو في الرؤية الإجرامية المشتركة الهادفة لتصفية كل الأصوات المقاومة لمخططاتها في العالم والشرق الأوسط.
ثمة من يروج لكذبة «الإمكانيات اللامحدودة والقدرات الذاتية للصهيونية»، بينما تفضح إرقام خسائر العدو بعد السابع من أكتوبر وعملية طوفان الأقصى وما تلاها على جبهات الإسناد والصواريخ المنهمرة من لبنان واليمن وإيران والمقاومة العراقية، والتي جعلت الصهاينة ينامون في الملاجئ- أنه لولا التدخل العسكري والاقتصادي المباشر للإمبريالية الأمريكية وحلفائها الغربيين لما كان بإمكان جيش الاحتلال الاستمرار في المعركة إلى حد الآن.
أما كذبة «ديمقراطية» و«إنسانية» دولة الاحتلال وجيشها فقد فضحتها سياساته وإجرامه المتعمد والممنهج ضد الشعب الفلسطيني منذ عقود، والتي تصاعدت مؤخراً إلى مستويات غير مسبوقة في حرب الإبادة الجماعية ضد أهالي قطاع غزّة منذ أكثر من عام.
بإمكان الفلسطيني اليوم أن ينظر إلى رأس ميدوزا، إلى الحقيقة دون مواربة، وأن يقول لها: «أنظري في عيني». ولا يمكن لأي قوة أو إعلام أن ينكر عليه حقه في الحياة على أرضه بعد أن أثبت الواقع رغم وجعه وآلامه أنه يستحقها، أما العدو فليس له من المستقبل سوى الغرق في المستنقع الذي صنعه لنفسه بنفسه.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1208