عن المؤثّرين وصناع المحتوى الجدد
تداول نشطاء التواصل الاجتماعي قبل فترة قصيرة فيديو قصير أعادوا فيه نشر مشهد من فيلم عمر المختار للمخرج مصطفى العقاد والممثل أنتوني كوين يقول فيه بصوت الممثل عبد الله غيث: «سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه، أما أنا فإن حياتي ستكون أطول من حياة شانقي».
تزامن نشر هذا الفيديو مع نشر جيش الاحتلال فيديو يصور اللحظات الأخيرة لأحد قادة المقاومة الفلسطينية، يحيى السنوار، في مشهد ملحمي تجاوز مشاهد البطولة التي تصورها السينما، وتحول إلى أيقونة ورمز على عكس ما أراد له العدو عندما نشر لحظة اغتياله. وترافق نشر الفيديو مع نشر صور وتعليقات ونقاش على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مكثف.
صناعة المحتوى
ثمة انتشار لظاهرة المؤثرين وصناع المحتوى خاصة بعد تطور التكنولوجيا ووسائل الاتصال، وقد أصبح لبعض المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي شهرة عالية وعدد متابعات لمحتوى ما ينشرونه مهما كان حتى لو كان تافهاً أو كاذباً. وقد استخدمت صناعة المحتوى والمؤثرون في تسطيح الوعي الاجتماعي بشكل كبير وإنتاج مضامين مرئية ومسموعة؛ من خلال إنشاء الفيديوهات، والبودكاست، والأفلام، والإعلانات الترويجية وغيرها. حيث يتفاعل معها الجمهور عبر وسائل تقليدية، مثل: الصحف والمجلات الورقية، أو وسائط حديثة، مثل: المدونات والمواقع الإلكترونية والشبكات الاجتماعية. وغالباً ما تكون التأثيرات السلبية الناتجة أكثر شدة في البلدان الأقل تطوراً في التكنولوجيا أو البلدان التي تعاني من قمع الحريات السياسية.
حرب الرواية
للإعلام دور بارز في الحروب، قد يصل بأهميته أن يكون متراساً أساسياً من متاريس الحرب، وليس فقط مجرّد ناقل للصورة، وقد استخدمت الصحافة والإعلام في السلم والحرب، بهدف التحكّم بالرأي العام وتشكّيل صور النصر والهزيمة. واليوم يمارس الإعلام والصورة دوره على جبهتين، إعلام للعدو وإعلام مقاوم.
يعيش الصهاينة اليوم حالة استثنائية من الذعر الوجودي، لذلك يحاولون بشكل مسعور تغييب ما يمكن، من أجساد وأسماء وأحياء وأشجار، يعميهم الذعر عن المعنى، «فـسارق المكان لن يصبح صاحبه مهما فعل» كما يقول الكاتب المسرحي الأمريكي يوجين أونيل، تكرس محاولات التغييب هذه وجود ما يرغب في إبعاده ومحوه. تقلق العدو حرب الرواية التي طالما تعوّد على استخدامها، وبنى فيها شتى الأكاذيب، ولذلك يحتاج إلى أن يكون في روايته بطلاً أسطورياً.
عصا السنوار
مشهد الاغتيال الذي أراد العدو منه نشر الذعر وترهيب الناس كما أراد تمرير رسالة طمأنة للمستوطنين بأنه قادر على تحقيق وعده لهم بانتصار طال انتظارهم له، لكن الفيديو عاد بنتائج عكسية لما أراده. تحولت العصا التي رمى بها المقاوم الملثم في الفيديو على المسيّرة التي تصوره إلى رمز يثبت صورة المقاوم المشتبك رغم إصابته حتى النهاية مع أعدائه. وأثبت بُطلان فكرة «مقاومة الفنادق» التي كان يشار بها إلى أن قادة المقاومة في القصور والفنادق بينما يدفعون أهل غزة وناسها إلى المقاومة والقتال.
قصة زينة
نشرت صورة مع قصة واقعية لفتاة صغيرة تحمل بين يديها كتاباً اسمها زينة. وزينة من محبي القراءة، تشتري كتاباً بين فترة وأخرى وتنهي قراءته بوقت قياسي، تفاجأ صاحب المكتبة هذه المرة من طلبها فالكتاب الذي تريد قراءته هذه المرة وأوصته به برغبة شديدة عنوانه (الشوك والقرنفل) وكاتبها يحيى السنوار.
يؤكد صاحب المكتبة الذي التقط صورة لزينة ونشرها على صفحته لتتداولها صفحات أخرى، أن الجيل الجديد يفهم معنى الوطن والتضحية ليس من الكلام والنصائح التي تقدم له جاهزة، بل من خلال الأحداث التي مرت وتفاعله معها. ويكمل: «زُرع في الجيل الجديد إضافة إلى حب الوطن، الحقد والكره تجاه العدو وما يفعله.
تعتبر «الحرب النفسية» أحد أهداف حرب الإعلام والمعلومات، وهي إجراءات مخطط لها، تهدف إلى نقل معلومات معينة ومختارة إلى الجمهور للتأثير على عواطفه، ودوافعه وحججه الموضوعية، ومحاولة التأثير على سلوك القوى المعادية والجماعات والأفراد.
تشير الصور والتفاصيل المنشورة لكثير من المقاومين إلى أن الاحتلال لم يحقق هدفه منها وأكثر من ذلك كان لها نتائج عكسية فمع كل اغتيال تقدم للمقاومة «أيقونة» بطولية جديدة.
عبود والايس كوفي... محتوى جديد
انتشر خبر اختطاف عبود بطّاح من «مستشفى كمال عدوان» (شمال غزّة) الجمعة 25 تشرين الأول الجاري، واقتياده إلى جهة مجهولة تحت الضرب قبل أن يُفرج عنه لاحقاً.
عبود الفتى المُفعم بالحياة، المُميز في ضحكته، في مصطلحاته، ومقولته المشهورة الوضع «آيس كوفي عالآخر». هو أحد صناع المحتوى الجدد والذي يخاف «جيش» الاحتلال من صوته المؤثّر، يتحكّم من خلال ضحكته وكاريزماه العالية وكلماته، بجزء من الرأي العام. يبدأ عبود حديثه: «إنهُ اليوم الكذا من الحرب والتجويع والحصار»، وينقل بعدها المشهد الذي يراه والجرائم التي عاينها وعاشها كشاب في مُقتبل العمر. هو واحد من عشرات الأطفال والشُبان الذين أكلت الحرب أحلامهم، وهو جزء من السياق الفلسطيني ككُلّ على اعتباره واحداً من الآلاف الذين سلب الاحتلال حياتهم وأحلامهم منذ عقود في خضم حربه واحتلاله لفلسطين وحروبه على لبنان. تزامن اختطاف عبّود، قتل «جيش» الاحتلال في جنوب لبنان ثلاثة صحافيين.
المدينة مدينتنا والبيوت بيوتنا
يقول غسان كنفاني: «إنَ أكبرَ جريمة يمكنُ لأي إنسانٍ أنْ يرتكبها، هيَ أنْ يعتقدَ ولوْ للحظةِ أنَ ضعفَ الآخرينَ هوَ الذي يشكلُ حقهُ في الوجودِ على حسابِ وجودهمْ، وهوَ الذي يبررُ لهُ أخطاءهُ وجرائمهُ».
استهدف الاحتلال الإسرائيلي، قبل فترة قصيرة مدينة صور جنوبي لبنان، ودمر أحياءً بكاملها، جاء القصف المركّز على المدينة متزامناً مع حدة العدوان وتكثفت ضرباته لتطال كل ما هو مدني جنوب نهر الليطاني. يريد جيش الاحتلال «أرضاً بلا شعب» عبر تفريغ الجنوب من سكانه والحيلولة دون عودتهم إلى منازلهم.
أدرك أهل المدينة فيها من أكاذيب بيانه «التحذيري» أن هدفه هو تهجيرهم. بطبيعة الحال لم يغادر الناس مدينتهم، كل ما فعلوه أنهم توجهوا إلى مينائها من جهة وإلى شاطئها الرملي الجنوبي من جهة أخرى. لم يحقق أهل صور لــ «إسرائيل» ما أرادت. فقد رافقت القصف على المدينة تمنيات من متابعين صهاينة على وسائل التواصل الاجتماعي عن احتلال صور والتمتع بجوها الساحر ورمالها الذهبية.
الرمل قلب صور النابض وأكبر أحيائها وهو الذي تلقى موجة القصف الأخيرة، فالعدو كان خلال الشهر الماضي قد ارتكب مجزرتين راح ضحيتهما مدنيون من أهل المدينة. لم يغادر الناس مدينتهم. عادوا من الميناء ومن الشاطئ الجنوبي إلى حي الرمل. والتهجير الذي أراده العدو لم يحدث.
تضم جدران الأحياء وشرفاتها، آمال الناس وأحلامهم وذكرياتهم، صباحاتهم وهمومهم، في المباني التي لم تهوِ، يعمل النجارون على إعادة الأبواب التي انتزعها عصف الانفجارات من أماكنها. يعيدون تثبيت أبواب النازحين من المدينة، ويقفلونها بالأخشاب والمسامير. يتصلون بأصحابها ويرسلون صورة الباب أن البيت لا يزال مكانه بعد العدوان. يتصل الناس بعضهم ببعض، «الحمد لله ع السلامة». مع ذلك ما زال الجميع في ترقب، فالعدو الذي لا يؤمن جانبه لا يزال متربصاً بالمدينة وأهلها، وإن كانوا يؤمنون أنها ستنتصر وأن «إسرائيل» إلى زوال.
تصنع الأرض مع ناسها محتوىً جديداً لا يمكن أن يزول.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1198