رب فكرة يصعُب اغتيالها بالرصاص
«لم يكن الهدف من هذه المجازر البشعة قتل آلاف من الفلسطينيين، إنما كان الهدف جزرنا بالمعنى النفسي، أي أن نيأس إلى حد التنازل عن حقنا في فلسطين، ولكن حتى إن ملّ البعض النضال فهناك أجيال آتية، وكما كنا نتعلم من الحزن في عيون آبائنا، سوف يلتقط من يجيء بعدنا الرسالة».
ما زال كلام ناجي العلي، كما رسوماته أيضاً، حاضراً بحضور القضية التي تبناها وعاشها واغتيل بسببها، في 29 آب عام 1987 في لندن. يؤكد حضورها ما يحدث في غزة اليوم، يحضر حنظلة، الشخصية التي أصبح فكرة يصعب اغتيالها بالرصاص، وتحضر معه أفكار وكلام صانعها ناجي العلي.
إلى جانب القتل والتدمير الممنهج والفظائع التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني في غزة والضفة، ثمة «أفكار غير بريئة» يجري طرحها في سوق المزايدات المتنافسة للدفاع عن العقل السياسي الغربي وممارساته. ثمة آلة سياسية وثقافية وإعلامية ضخمة تنفّذ مهمة تزييف الوعي والحقائق، تحمل رسالة واحدة في مضمونها، إن مبدأ المقاومة والدفاع عن الوجود والكرامة، كان وما زال من الممكن، أن تكون له خيارات أخرى! خيارات «عقلانية» تقبل الإذعان والرضوخ والذل الذي يحمله الاستسلام، طلباً للسلامة الشخصية والنجاة بالنفس!
خيارات العقل المأزوم
فاجأ زلزال طوفان الأقصى العاصف العالم كله، وأذهلت صلابة الناس والمقاومة، الأعداء والأصدقاء، وضربت جذر البنية الفكرية الاستعمارية الغربية في المنطقة والعالم، إذ اهتزت المشروعية النظرية للفكر السياسي الغربي وصدقيّته المعرفية، حتى في الداخل الغربي ذاته. ومع ذلك ثمة عقل مأزوم لا يريد أن يشفى من ارتباطاته بالمشروع الغربي، رغم انكشاف تراجعه واتضاح نقاط ضعفه العديدة والمتنوعة والتي يمكن أن تؤدي به إلى الانهيار.
يتخبط العقل المأزوم في مواقعه المختلفة، نخب سياسية وثقافية وأبواق إعلامية، تضيق ذرعاً بالمقاومة الفلسطينية وبصمود شعبها وجبروته أمام العدوان والموت، فتشدد ضرباتها لتسويغ لهاثها المحموم وراء الحلف الأمريكي وسياساته، وتبرير مسؤوليته عما يحدث، وما ذريعة الخوف على الحياة ووقف الموت والدمار، وتسخيف أي كلام عن مسؤولية الغرب عن هذا الموت وتآمره، سوى جزء من مشروع التآمر نفسه لكسر إرادة المقاومة وتحطيم روحها المعنوية.
بهذه البساطة!
يؤكد البعض فكرة غسان كنفاني حول قدرة الإنسان أن يقول الشيء العميق ببساطة، بتعابير وجمل قصيرة ولكنها واضحة وكافية، «فما يُحزن إسرائيل يسعدني، وما يُسعد إسرائيل يحزنني، الأمرُ بهذه البساطة»، و«لما تكون أنت ونتنياهو مبسوطين لنفس السبب، راجع عقيدتك يا ذليل».
«في نهاية المطاف فلسطين ستنتصر... هكذا قال لنا الشهداء، والشهداء قومٌ لا يكذبون» يؤكد الشهيد باسل الأعرج ثقته ويوضح انتماءه والكثيرين من أبناء جيله إلى بنية فكرية مختلفة آمن بها ناجي العلي ورفاقه، أساسها فكرة لا يمكن اغتيالها بالرصاص.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1190