البحث عن المعنى في انتظار غودو
تحكي مسرحية في انتظار غودو لصمويل بيكيت قصة شخصيتين فلاديمير وإستراغون، اللذين يقضيان وقتهما في انتظار شخص يُدعى «غودو»، لكن غودو هذا لا يأتي أبداً.
لم يدر في بال صمويل بيكيت غالباً عندما قدم مسرحيته في عام 1953، أن الفكرة التي طرحها حينها ستظل حاضرة في عالمنا اليوم. تحمل المسرحية رؤية قاسية ومظلمة عن الوجود الإنساني، وتعكس حالة الانفصال عن الواقع التي يعاني منها الإنسان المعاصر، انفصال يعزز من حالة الانتظار، يبحث الجميع عن شيء ما (حدث أو شخص) يملأ الفراغ الداخلي، لكن أحداً لا يمكنه تقديم الإجابة. إضافة إلى شعور مرير بالوحدة والانعزال عن الآخرين، فرغم وجود فلاديمير وإستراغون معاً، إلا أن حوارهما يعكس عجزهما عن التواصل الحقيقي. كلاهما يتحدثان، لكن لا أحد يسمع الآخر حقاً. بينما يتأرجح الأمل عندهما بين الانتظار واللا جدوى.
تعكس المسرحية واقعاً نفسياً واجتماعياً يعيشه كثيرون اليوم، وتعاني منه نخب سياسية واجتماعية وثقافية عديدة، فرغم التحولات النوعية الهامة في موازين القوى وعلى مستويات متنوعة ومتعددة والتغييرات الحاصلة على مستوى العالم، لكن لا يزال الكثيرون عالقين في دائرة الانتظار واللا يقين والتردد، يتداخل لديهم الأمل بالعبث واللا جدوى، ينتظرون تحقيق أحلام كثيرة، حلول وتغييرات سياسية وعدالة ووو... إلخ. لكن الواقع بالنسبة لهم يبقى على حاله ولا شيء يتغير، ببساطة لأنهم يتطلعون إلى خلاص تأتي به لهم قوى أخرى بينما يجلسون متراخين لا يبذلون جهداً ولا يفعلون شيئاً سوى الانتظار. انتظار يبدو بلا نهاية، يحاكي بشكل مؤلم ما عاشه أبطال مسرحية بيكيت فلاديمير وإستراغون على خشبة المسرح.
أراد بيكيت لـ«غودو» أن يكون رمزاً للأمل والبحث عن المعنى في حياة تملؤها الفوضى والعبثية وتراكم الأزمات التي يعاني منها الإنسان المعاصر، في عالم مليء بالصراعات والكوارث والتغيرات السريعة، غالباً ما يصبح الإنسان في حالة انتظار دائم لما يمكن أن يُعيد إليه الإحساس بالاستقرار والمعنى. لكن يظل هذا الانتظار عبثياً في كثير من الأحيان، خاصة في حالة عدم وعي الإنسان لدوره مع الآخرين في عملية التغيير، عندها لا يتحقق الأمل المنتظر، أو أنه يتحقق بطريقة لا تلبي التوقعات، وتستمر المشاكل دون حلول واضحة، فيزداد شعور الفرد بالعبث واللا جدوى، وبذلك تحكم الدائرة إغلاقها عليه بما يشبه دوامة لا تنتهي.
لكل منا نحن البشر «غودو» الخاص به، نختلف فقط بطريقة التفكير والتعامل معه. فبينما يقوم بعضنا بالتفكير والعمل وإيجاد الحلول، يجلس البعض منتظرين حلولاً، وأجوبة، وخلاصاً قد لا يأتي أبداً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1189