الدور الموحد للرموز الاجتماعية والثقافية
في المحطات التاريخية المفصلية في تاريخ الشعوب والبلدان، تلعب الرموز الاجتماعية والثقافية والشعبية دوراً موحداً للناس، في لحظة تاريخية تتطلب مجموعة من الأدوات مثل الاستناد إلى الرموز لمواجهة الأخطار التي تواجه الشعوب أو البلدان.
ويحيي الروس في شهر حزيران ذكرى ميلاد الشاعر الروسي ألكسندر بوشكين في السادس من حزيران 1799، وبذكرى افتتاح النصب التذكاري في الثامن عشر من حزيران 1880 في موسكو. ويعتبر يوم ميلاد بوشكين يوماً للغة الروسية في الوقت الحاضر. حيث تنظم مختلف الفعاليات الثقافية والإعلامية بهذه المناسبة.
يقول فلاديمير كورنيلوف في مقاله المنشور في جريدة ليتيراتورنايا راسيا وعدد من الصحف الروسية الأخرى في الأسبوع الماضي بعنوان «الدور الموحد لبوشكين في النضال من أجل القيم الثقافية والأخلاقية»: قد يبدو متناقضاً، لم يكشف أي من رجال الدولة عن حجم شخصية بوشكين بالطريقة التي فعلها ستالين. وأدرك المثقفون الروس ما قبل الثورة، من خلال كلمات دوستويفسكي، وتولستوي، وتشيخوف، ونيكراسوف، وتورجنيف، أسبقية بوشكين في السماوات الشعرية والأدبية، ولكن على مستوى الدولة لم يُنظر إليه إلا على قدم المساواة مع العديد من الشعراء البارزين في القرن التاسع عشر. ولم يكن أي من مسؤولي الإمبراطورية الروسية حاضراً عند افتتاح النصب التذكاري لبوشكين في موسكو.
وكتب فلاديمير سبيكتور في جريدة ليتيراتورنايا غازيتا مؤخراً أن بوشكين يحتل مكانة مهمة في الأدب الروسي لدرجة يجري فيها الآن طبع الأعمال الشعرية والنثرية الكاملة. ويعتقد سبيكتور أن العام 2037 سيكون مهماً على صعيد مرور 200 عام على وفاة الشاعر، من إحياء لذكراه وطبع أعماله الكاملة ونشرها.
كان الموقف من أعمال بوشكين قبل الثورة وفي العهد السوفييتي والعصر الحالي بمثابة محك للكشف عن المجتمع الروسي. وكان بيلينسكي أول من أعترف بأن بوشكين هو الشاعر والفنان الروسي الأول الذي صمم لمنح روسيا الشعر كفن. ورأى غوغول في بوشكين ظاهرة غير عادية وربما الظاهرة الوحيدة للروح الروسية حسب وصف فلاديمير سبيكتور. وبالمقابل كان الاتجاه العدمي يصب النار على بوشكين حسب وصف فلاديمير كورنيلوف.
في العقد الأول من الحقبة السوفييتية، اقترح ممثلو الثقافة البروليتارية (الأدباء البروليتاريون) رفض أعمال بوشكين وليرمونتوف وأدباء آخرين. وهو الاتجاه الذي اصطدم ستالين معهم.
وبحلول نهاية الثلاثينيات من القرن العشرين، أدرك ستالين كرجل دولة، أنه في المستقبل خلال المعركة المميتة مع الغرب، هناك حاجة إلى برنامج من شأنه أن يوحد مواطني الاتحاد السوفييتي المنتمين إلى طبقات اجتماعية وثقافات وأمم مختلفة. خلال هذه الفترة وفي السنوات اللاحقة، حتى وفاة ستالين. بدأت شخصيات ما قبل الثورة في الانتشار مرة أخرى، وهي الشخصيات التي لعبت دوراً بارزاً في تاريخ روسيا. في بناء الدولة: ألكسندر نيفسكي وديمتري دونسكوي وإيفان الرهيب وبيتر الأول. في الشؤون العسكرية: سوفوروف، أوشاكوف، كوتوزوف، ناخيموف، ماكاروف. في مجال العلوم: لومونوسوف، مينديليف، يابلوشكين، بوبوف. في الأدب الروسي: تولستوي، تشيخوف، كوبرين. وأخيراً في الشعر: بوشكين، ليرمونتوف، نيكراسوف، كولتسوف.
بالعودة إلى بوشكين، رأى ستالين فيه شخصية متعددة الأوجه. وقلة من المعجبين بالعبقرية الروسية العظيمة يتذكرون أنه في عام 1937 كان ملعوناً بالنسبة للديمقراطيين الليبراليين، ولكنه كان مصيرياً بالنسبة لرجال الدولة الوطنيين.
عين ألكسندر بوشكين الشاعر الرئيسي لكل العصور والشعوب في الاتحاد السوفييتي. ولأول مرة في البلاد، تم الاحتفال على مستوى الاتحاد السوفييتي بالذكرى المئوية لوفاة الشاعر بتاريخ 10 فبراير 1937، وعرض فيلم «الشاعر الشاب» للمخرج ناروديتسكي على شاشات جميع دور السينما في البلاد. حقق هذا الفيلم نجاحاً كبيراً ليس فقط بين جمهور الاتحاد السوفييتي فقط، وتألق بوشكين من خلال الفيلم في الخارج، في فرنسا والبلدان الأخرى.
كان بوشكين، الذي تعلم في الأصل من الأدب الفرنسي غربياً في معتقداته، وكان معارضاً قوياً للنظام الملكي. وفي نهاية حياته مؤيداً للملكية الشعبية. وكان بوشكين ينتمي إلى الحزب الروسي «عبارة الحزب الروسي هي عبارة لبوشكين». ورغم الأصول الأرستقراطية كان خالياً من الغطرسة في العلاقة مع الناس، الغطرسة التي تميز هذه الطبقة.
يقول فلاديمير كورنيلوف: في حقبة ما بعد الاتحاد السوفييتي، تتزايد رؤية ستالين للدور الموحد لبوشكين في النضال من أجل القيم الثقافية والأخلاقية الروسية بالكامل. كما يتضح من تحول عيد ميلاده- 6 حزيران- إلى يوم عطلة رسمية «يوم اللغة الروسية». فاللغة هي أهم عامل للهوية الوطنية، وأساس ثقافة الناس. حيث تتحدث روسيا 227 لغة ولهجة. وبفضل اللغة الروسية كلغة للتواصل بين القوميات، نحن شعب واحد. وصرح أحد المسؤولين في العالم الإسلامي، المفتي الأعلى لروسيا: أنا لست روسياً، لكنني روسي.
في مواجهة الرموز الشعبية والثقافية الجامعة، تحتل موسيقا البوب والراب مكانة خاصة في الهجوم على اللغة الروسية وتقديم لغة مبتذلة منحطة وفاحشة. وحسب ما نشرته صحف ليتيراتورنايا غازيتا وليتيراتورنايا راسيا والمواقع الإلكترونية الأخرى في ذكرى بوشكين في حزيران الحالي، أن اللغة الروسية قد جرى استهدافها بشكل كبير لتربية الأجيال الشابة على الانحطاط من جهة، ولتحطيم هذه اللغة كلغة جامعة لعدد كبير من الشعوب من جهة أخرى. ويرى فلاديمير كورنيلوف أن العملية العسكرية الروسية الحالية تقدم مساهمة كبيرة في النضال من أجل الحفاظ على اللغة الروسية واللغة الأوكرانية بالنسبة للروس والشعب الأوكراني الشقيق حسب تعبيره.
أما موقف ستالين من بوشكين في ثلاثينات القرن الماضي، حيث كانت المعركة مع الفاشية القديمة تلوح في الأفق. هو ذاته موقف ستالين من الكنيسة الأرثوذوكسية الروسية، وكان موقفه مناقضاً للموقف العدمي للتروتسكيين والصهاينة الذين حاولوا تحطيم الثقافة الشعبية للشعب الروسي. وهم ذاتهم من شن الهجوم على الأدب الروسي والتراث الروسي والكنيسة الروسية، ولكن كان هناك ستالين ليردهم على أعقابهم «راجع موقف ستالين من الأدب والثقافة والكنيسة في كتاب القائد الأعلى لفلاديمير كاربوف».
ويرى دكتور العلوم الاقتصادية فلاديمير كورنيلوف، أن نموذج بوشكين يمكن اعتباره مثالاً للتربية العائلية. لمنع استهداف العائلة الروسية. فقد كان بوشكين رجل عائلة حقيقي، ولم تسحبه تقاليد الأرستقراطية المتفسخة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1075