حزب الفلسفة المنبعثة من الأرض والعمل
يقول مكسيم غوركي في مسرحية «البرجوازيون الصغار» بصدد الحديث عن الفلسفة والموقف منها:
«من الخطأ الاعتقاد بأني أسخر من الفلسفة، بل أنا حزب لفلسفة تنبعث من الأرض ومن أطوار العمل، فتقوم بدراسة الطبيعة وتسخّر قواها في سبيل خدمة الإنسان. وأنا أعتقد بأن الفكر مرتبط أشد الارتباط بالعمل، ولست نصير الفكر بينما نحن لا نحرّك ساكناً، نجلس أو نرقد بدون عمل. وأن كلمة الفلسفة رغم تطور العالم وتقدمه، كان معناها على الدوام هو أنها: نظرة عامة إلى العالم تمدنا بقاعدة للسلوك».
«كان الفلاسفة البرجوازيون في فرنسا يعتقدون في القرن الثامن عشر، كما كانوا يعلمون الناس، اعتماداً على العلوم، أن العالم يمكن معرفته، وكانوا يستنتجون من ذلك أنه يمكن تحويله من أجل خير الإنسان، وكان كوندورسيه يعتقد أن الإنسان يمكن إصلاحه، وأن المجتمع يمكن أن يصبح أفضل مما هو عليه الآن. فما كان القرن الثامن عشر ينقضي حتى أخذ الفلاسفة البرجوازيون على العكس من ذلك، أنه لا يمكن معرفة العالم، وأنه لا يمكن إدراك حقيقة الأشياء، ولن ندركها قط».
وهذا يعني أن كل نظرة إلى العالم تحتوي معنى تطبيقياً، فهي تفيد بعض الطبقات، كما أنها تسيء إلى طبقات أخرى، وسنرى أن الفلسفة الماركسية فلسفة طبقية أيضاً. وأن دراسة الفلسفة لا تعطينا نظرة للعالم لها نتائج العملية فحسب، بل تهم العمال الذين يريدون تغيير العالم، وأن تكون لهم نظرة صادقة للعالم، كما أنه يجب التصويب بدقة لكي تصيب بدقة.
ولهذا لن تكون دراسة الفلسفة جهداً لا طائل تحته للذين يأبون الاستسلام لأن النظرة الموضوعية للعالم هي التي تمدهم بأسباب هذا النضال. وقد قال لينين: ليس من حركة ثورية بدون نظرية ثورية.
فما هي الفلسفة التي ندرسها؟
إذا أردنا تغيير العالم سواء في المجتمع أو الطبيعة، يجب معرفة هذا الواقع ولا بدّ أن تكون نظرة علمية لهذا العالم، وهذه النظرة العلمية هي الفلسفة الماركسية أو المادية الديالكتيكية.
ما هو الفرق بين العلم والفلسفة؟
لا تنفصل الفلسفة الماركسية عن العلوم، ولكنها تتميز عنها، إذ إن غرض كل من علوم الفيزياء والبيولوجيا هو دراسة القوانين المتعلقة بجزء معين من الواقع. أما المادية الديالكتيكية فهي تهدف لغرضين:
1_ تدرس المادية الديالكتيكية أعم قوانين الكون، وهي القوانين التي تشترك فيها جميع جوانب الواقع من طبيعة فيزيائية وفكر مارة بالطبيعة الحية والمجتمع.
2_ كما أن الفلسفة الماركسية نظرة علمية للعالم، وهي النظرة العلمية الوحيدة، أي التي تتفق وتعاليم العلم.
تعلّمنا العلوم أن الكون حقيقة مادية.
أن الإنسان ليس غريباً عن هذه الحقيقة وأنه يمكن معرفتها ومن ثم تغييرها.
يقول فريدريك إنجلز: تعني النظرة المادية للعالم النظرة إلى الطبيعة كما هي بدون أية إضافة خارجية. وقد اختصر ستالين كل ذلك فكتب يقول: الماركسية هي العلم الذي يقوم بدراسة قوانين الطبيعة والمجتمع، وهي العلم الذي يدرس ثورة الطبقات المضطهدة المستغلة، كما أنها العلم الذي يصف لنا انتصار الاشتراكية في جميع البلدان، وأخيراً هي العلم الذي يعلمنا بناء المجتمع الشيوعي.
ليست دراسة الفلسفة بالنسبة للعمال ضرباً من الترف، بل هي واجب طبقي. فإذا ما تقاعسنا عن تأدية هذا الواجب، تركنا المجال واسعاً للنظريات غير العلمية الرجعية التي تخدم الاضطهاد البرجوازي، وحرمنا الحركة العمالية من رائدها الذي يدلها على الطريق السوي. وليست الفلسفة الماركسية اللينينية عقيدة جامدة بل هي مرشد عمل.
صفات المنهج الميتافيزيقي
1_ هو المنهج الذي يعتبر الأشياء وكأنها تامة الصنع لا تتغير ولا تتأثر بأسباب التغيير. أي إنه منهج يجهل حقيقة الحركة والتغيير. والميتافيزيقا تقول بالسكون والتماثل، وشعارها لا جديد تحت الشمس. كما أن القول بأن الرأسمالية أبدية وأن مصائب الرأسمالية وعيوبها التي تولدها في الناس مخلدة ضرباً من التفكير الميتافيزيقي، لأن الميتافيزيقي يتمثل في خاطره إنساناً أبدياً لا يتغير. لأنه يفصل الإنسان عن بيئته وعن مجتمعه.
2_ تفصل الميتافيزيقا بين الإنسان وواقعه.
صفات المنهج الديالكتيكي:
1_ نظرة المادية الديالكتيكية إلى الأشياء والمعاني في ترابطها بعضها ببعض، وما يقوم بينها من علاقة متبادلة، وتأثير كل منها في الآخر، وما ينتج عن ذلك من تغيير. كما تنظر إليها عند ولادتها ونموها وانحطاطها. وهكذا نجد أن الديالكتيك يتعارض مع الميتافيزيقا.
2_ أن المادية الديالكتيكية تفسر الحركة عن طريق نضال الأضداد. ذلك أهم قانون في الديالكتيك. وأن نضال الأضداد يظهر في المجتمع في صورة نضال الطبقات. كما أن نضال الأضداد يثير الفكر.
أول من قال بالديالكتيك هم فلاسفة اليونان، فقد تصوروا الطبيعة ككل. وكان هيراكليت يعلم الناس أن هذا الكل يتحول. وكان يقول: لا نستحم في ماء النهر مرتين.
ملخص على شكل مقتطفات من كتاب أصول الفلسفة الماركسية لجورج بوليتزر. تلخيص محمد عادل الملا. من مخطوطة «آراء ومطالعات في الأدب والتاريخ والفلسفة والاجتماع» المخطوطة الأولى.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1075