حول دور النشر العمالية في أوروبا
نشأ وضع معقد في مجال نشر الكتب عالمياً بتأثير مجموعة من العوامل، لذلك نطرح السؤال الآتي: ما هو مصير دور النشر التقليدية؟
أدت الأزمة الرأسمالية أولاً، وظروف الوباء الحالي ثانياً، بالإضافة إلى الظروف السياسية والاقتصادية الخاصة بكل بلد، إلى حدوث تراجع عام في سوق الكتب. فالمكتبات البريطانية شهدت تراجعاً عاماً خلال العامين الماضين على سبيل المثال.
وجرى انزياح في عالم عمالقة النشر العالميين، فالعمالقة الستة المعروفون لم يعودوا عمالقة لأن عمالقة رأسماليين آخرين فرضوا الهيمنة عليهم من الأعلى مثل منصة آمازون وشبيهاتها. وصار العملاق الأكبر يقتطع من أرباح العملاق الأكبر السابق رغم التراجع العام في المبيعات.
وظهرت دور النشر الذكية في عدة أشكال، منها الشكل الذي تسمح به منصة أمازون ويمكن لصاحب الكتاب نشر كتابه مباشرة وبيعه دون الحاجة إلى «دور النشر». كما ظهرت المنصات الإلكترونية التي تسمح بإخراج الكتب مجاناً أو لقاء مبالغ معينة. بالإضافة إلى ظهور منصات بيع أكواد حقوق الملكية. أما في الصين فشكل دور النشر الذكية التي بدأت تظهر مختلف قليلاً. وبدأ الصينيون ينشرون إعلانات مخصصة في منصات الكتب، ويجري طبع الكتاب في حال طلبه فقط. مع ملاحظة أن هذا الشكل لم يصبح سائداً بعد.
وفي أوروبا ظهرت بعض المشاريع التي سمت نفسها دور النشر العمالية، ولكنها أبعد من أن تكون كذلك في الوقت الحالي. بل إن دور النشر العمالية الحقيقية لم تظهر بعد.
ما هو شكل الكتاب في العصر الراهن الذي يعطي المؤشرات الأولى لاختلاف شكله اليوم؟ فالكتاب الورقي سيتحدد دوره على الأقل إن لم يكن أكثر من ذلك. والكتاب الإلكتروني يشهد صعوداً عالمياً. ولعل من أطرف أشكال صعوده هو مقاومة قراء الكتب للتسليع وانتشار ظاهرة الكتب المجانية بالتوازي مع الظهور الأولي لدور النشر الذكية. وقد يظهر الكتاب المرئي مستقبلاً بشكل واسع.
بالعودة إلى دور النشر العمالية التي ستظهر حتماً خلال اشتداد الصراع الطبقي. يستطيع أربعة أو ثلاثة أشخاص محترفين تشكيل دار نشر ذكية، إذ يتطلب ذلك محرراً ومخرجاً ومدققاً لغوياً، ثم يجري رمي الكتاب على شبكة الإنترنت لأوسع القراء. مع ضرورة تجاوز التسليع لكسر الهيمنة الثقافية الرأسمالية من الأسفل. ولضرورات النضال الشجاع ضد مختلف أشكال الرقابة في بلدان العالم في حال تعذر تعديلها.
ونصل هنا إلى سؤال مهم: من الذي سيكتب ويحرر وينشر هذه الكتب؟ الجواب بسيط رغم تعقّد الأوضاع في هذا المجال: الناس سيحررون ويكتبون وينشرون هذه الكتب في المستقبل عندما تنضج الظروف. وهي الفكرة التي تحدّث عنها أنطونيو غرامشي حول المثقف. وهذا يتطلب حتماً تغيير أشكال التعليم التي ستؤمن للناس (للطبقة العاملة) ما يحتاجونه من تعليم تكنولوجي يناسب التغييرات التي تدقّ الأبواب في العالم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1043