عبقرية الثورة
جوزيف ستالين جوزيف ستالين

عبقرية الثورة

ولد لينين من أجل الثورة. فأصبح بحق وصدق مبعث الحركات الثورية، وأمهر أستاذ في قيادتها وتوجيهها. ولم يكن يرى مسروراً أو مبتهجاً إلا في أيام الانقلابات الثورية. ولا أقصد بكلامي هذا أن لينين كان يؤيد بشكل مطلق كل حركة انقلابية أو انفجار ثوري. كلا لا أقصد ذلك أبداً. بل إن فطنته وعبقريته الثورية كانتا تستطيعان التفريق بين الثورة وبين الالتواءات الثورية. وقد انتشرت في حزبنا عبارة صحيحة عن لينين، وهي أن «لينين يسبح في أمواج الثورة كما تسبح السمكة في الماء». وأتذكر حادثتين حدثتا للينين تدلان دلالة واضحة على مدى عبقريته الثورية ومدى فطنته وجرأته.

أما الحادثة الأولى، فكانت قبيل نشوب ثورة أكتوبر بمدة وجيزة، حيث إن ملايين من الفلاحين والجنود في المؤخرة والجبهة كانوا ينادون بالسلم ويتوقون إليه. وأن جنرالات الجيش والبرجوازية كانوا يهيئون ديكتاتورية عسكرية لمتابعة الحرب إلى النهاية. وأن الأحزاب الاشتراكية كانت تؤيد متابعة الحرب وتتهم حزب البولشفيك بصلته مع الألمان وتجسسه لحسابهم. وكان كيرنسكي يسعى إلى القضاء على نفوذ الحزب وقد نجح بعض النجاح. وكانت الجيوش الألمانية– المجرية تضغط على جيوشنا المنهوكة المشتتة والأحزاب الاشتراكية الغربية المتفقة مع حكومتها لمتابعة الحرب حتى النصر الأخير.
تجاه هذه الأوضاع، كانت الثورة تتراءى للكثيرين في تلك الاثناء أنها مغامرة. ولكن لينين لم يجبن أبداً بل رأى أن الثورة أمر محتوم لا يمكن تلافيه، بل سيقع وستنتصر الثورة. وستنتهي بوقوعها في روسيا الحرب الاستعمارية إلى حرب أهلية، وستولد من هذه الثورة الجمهوريات السوفياتية، وستكون هذه الجمهوريات نواة الحركة الثورية في العالم. وقد صدق هذا الحدس الثوري وتم بنجاح باهر منقطع النظير.
أما الحادثة الثانية، فحدثت عقب نشوب ثورة أكتوبر بأيام، وذلك عندما قرر مجلس مفوضي الشعب أن يطلب من الجنرال دوخونين قائد القوات الروسية إلقاء السلاح وعقد الهدنة مع الألمان. أتذكر أن لينين وكريلينكو وأنا، ذهبنا جميعاً إلى مقر القيادة في بتروغراد لإعلام دوخونين بالأمر.
لقد كانت ساعة رهيبة، فقد رفض دوخونين والقيادة العامة الانصياع لأوامر مجلس مفوضي الشعب. وكان قادة الجيش كلهم تابعين للقيادة العامة، أما الجنود الذين يربوا عددهم على اثني عشر مليوناً، والخاضعون لأوامر عسكرية مناوئة للنظام السوفياتي، فلم يكن يعرف موقفهم تماماً.
وكان طلاب المدرسة العسكرية يهيئون عصياناً فيما بينهم، وكيرنسكي يزحف إلى العاصمة. في تلك الساعات العصيبة، وبعد صمت قصير، افترّ ثغر لينين وطفح البشر في محياه وصاح بنا: هيا إلى مركز البريد، فسيقدم لنا خدمة جُلّى.
فعزلنا بأمر خاص الجنرال دوخونين، وعيننا مكانه كريلينكو، ووجهنا إلى الجنود نداء طلبنا فيه أن يعزلوا قادتهم ويكفوا عن الحرب في الجبهة وأن يؤازروا قضية السلم.
كان عملنا هذا مجهول النتائج، ولكن لينين لم يخف ولم يتردد في تنفيذه، بل كان يثق تماماً بأن الجيش يريد السلم، وأنه سيجتاح في طريقه جميع العقبات وأن هذا النداء السلمي سوف لا يؤثر في الجبهة الروسية الألمانية وحسب، بل سيترك أثراً عميقاً في قلوب جميع الجنود المتحاربين.
إن فطنة لينين الثورية كانت كفيلة بتنفيذ كل الأعمال بدقة ونجاح، وأن إدراكه العبقري وإحاطته بالأمور إحاطة تامة، كانا يؤهبانه أبداً لوضع هدف صحيح وخطة ثورية واضحة وطريق مستقيم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1043
آخر تعديل على الثلاثاء, 09 تشرين2/نوفمبر 2021 14:16