حكايات الكفاح في المسلسلات الحمراء

حكايات الكفاح في المسلسلات الحمراء

تواصل الصين اليوم إنتاج المزيد من الأفلام السينمائية والمسلسلات الدرامية المشوقة لحماية واستحضار رموزها التاريخية الوطنية والشعبية، في لحظة تاريخية تتميز بالسخونة العالمية للأزمات، وتراجع المنظومة الرأسمالية، وبروز الصين كقوة صاعدة في الشرق، وكمثال لمواجهة الأوبئة والتنمية الاقتصادية.

نستطيع التحدث هنا عن التجربة الصينية في توثيق التاريخ، وإن كانت هذه التجربة قديمة بطريقة كتابة التاريخ «الكتب والوثائق والصحف»، فالتجربة الجديدة عملت عبر نقل التاريخ بشكل منهجي متسلسل إلى السينما والدراما التلفزيونية.
أنتجت الصين في الماضي عدداً كبيراً من الأفلام السينمائية والوثائقية والمسلسلات التي تؤرخ للصراع الطبقي في الصين. وعندما نتحدث عن التجربة الجديدة، لا نقصد الأعمال القديمة الماضية، بل تلك التي ظهرت منذ عام 2011.
على سبيل المثال: يتحدث فيلم «1911» عن ثورة 1911 التي أسقطت الإمبراطور وأعلنت الجمهورية. الفيلم درامي مشوق من بطولة جاكي تشان. وقال في نهايته إن الثورة أبقت على الصين رأسمالية وإقطاعية لذلك يجب إكمال مهامها. ثم أنتج فليمين ملحميين، أحدهما عن تأسيس الحزب الشيوعي، والآخر عن تأسيس الجيش الأحمر الصيني. وألحق بهذا الخط عدداً كبيراً من الأفلام مثل المسيرة الطويلة، تأسيس الجمهورية... إلخ. ويمكن عبر هذه الأفلام فهم تاريخ الصين والثورة الصينية.
يعرف الصينيون جيداً، أن الجمهور في العصر الحالي يحتاج إلى مادة مرئية، فالكتب والصحف لوحدها لم تعد تكفي، ويجب تدعيم الدعاية بالمواد المرئية، أي الأفلام السينمائية والوثائقية والأفلام المتحركة والفيديوهات القصيرة والأغاني الجديدة والمسلسلات الدرامية المشوقة. في مهمة تاريخية في غاية الأهمية تؤدي مهمة توثيق وحماية الرموز الوطنية والشعبية في الصين. واستحضارها في هذه اللحظة بالذات.
التجربة الصينية تجربة طليعية في هذا المجال اليوم، يجب دراستها والتعلم منها في مواجهة الكم الهائل من السينما والمسلسلات الاستهلاكية الفارغة على الطريقة الغربية والطريقة الفاشية الإعلامية التي هي من أدوات الهيمنة الرأسمالية الهادفة إلى تخريب الإنسان.
قصص من شنغهاي
عرضت القنوات الصينية ومنصات الأفلام الآسيوية حتى الآن 42 حلقة من أصل 43 حلقة للمسلسل الجديد The Rebel، وهو مسلسل درامي ملحمي تاريخي يتحدث عن صور من حياة مدينة شنغهاي منذ عام 1934 حتى انتصار الثورة الصينية عام 1949.
تصور الحلقات الأولى للمسلسل، قصة كفاح منظمة الحزب الشيوعي في شنغهاي في ظروف بالغة الصعوبة والقسوة ضد حكم أمراء الحرب «حزب الكومينتانغ»، وتليها مرحلة المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الياباني حتى النصر على الفاشية عام 1945. بينما تصور الحلقات الأخيرة، مرحلة الكفاح النهائي وانتصار الثورة الصينية عام 1949.
أبطال المسلسل، مجموعة من رفاق الحزب الشيوعي في منظمة شنغهاي، وعرضت جميع الحلقات ذلك الصراع والقلق الذي يدور في بال الإنسان في الظروف والمنعطفات التاريخية، في إطار درامي ملحمي، قبيل الالتحاق بالطريق الجديد الذي بشر بمستقبل البلاد. كما عرضت الحلقات تقلب المشاعر الشخصية للإنسان في كل محطة من المحطات، وكيف تنضج آراء البشر خلال الصراع السياسي والتجارب القاسية المريرة في الحياة.
كما يركز المسلسل على أهمية الكفاح في حياة الشعوب، متخذاً من حياة الناس في شنغهاي مثالاً على ذلك. كما يصور معاني التضحية على الطريق العظيم، واستمرار كفاح الحزب رغم التضحيات، فالقطار التاريخي كان يتعاظم بعد كل مرحلة، وبعد كل تضحية قاسية.

تاريخ الثورة الصينية

كتبت صحيفة الشعب اليومية أن مسلسل «عصر الصحوة» يعيد تاريخ الثورة الصينية إلى منصات النقاش.
حيث عرض مسلسل «عصر الصحوة»، على القنوات الصينية، وتصور حلقاته مرحلة ظهور الثقافة الجديدة بين عامي 1915-1921. وهي الفترة التي مهدت لظهور الحزب الشيوعي الصيني.
حسب صحيفة الشعب، حصل المسلسل على متابعات واسعة من جانب الجمهور في الصين، وأثارت أحداثه الدرامية والتاريخية وشخصياته العديد من النقاشات الساخنة على وسائل التواصل.
ويصور مسلسل «عصر الصحوة» قصة شخصيات مؤسسة ومؤثرة في تاريخ الحزب الشيوعي الصيني، مثل تشنغ دو شيو، لي داتشاو وقوهونغ مينغ. ويعتقد راو شوجوانغ، رئيس الجمعية الصينية للنقاد السينمائيين، أن طريقة تناول الشخصيات التاريخية مثلت أحد أهم عوامل نجاح المسلسل. حيث خرجت طريقة تناول شخصيات المسلسل عن قناع الشخصية التاريخية، واقتربت أكثر إلى طباع وحياة الشخصيات في الحياة اليومية.
وقد أثار مسلسل «عصر الصحوة» نقاشات بين الشباب الصيني على منصات التواصل حسب صحيفة الشعب اليومية، حول مستقبل الصين، «وأية دولة يجب أن تكون الصين في المستقبل، وأية روح يجب أن يتحلّى بها الصينيون. وقد مثّل العمل مزيجاً بين الوقائع التاريخية والإبداع الفني، وسلّط الضوء على التداخل بين الأحداث التاريخية التي عاشتها الصين في بداية القرن العشرين والشخصيات المؤثرة في تلك الحقبة».

نار هادئة ونقاشات حامية

وإلى جانب تلك المسلسلات، أنتجت الصين مسلسلاً خلال العام الماضي 2020، يصور في حلقاته أحداث نفس الحقبة التاريخية.
خصصت كل حلقة من حلقات المسلسل للحديث عن قصة من القصص الفردية الفريدة لكفاح أعضاء الحزب الشيوعي الصيني.
فالحلقة الأولى على سبيل المثال، تصور في مشاهد من الصراع الدرامي، تلك النقاشات الحامية حول مستقبل الصين عام 1920. ومثلت النقاشات الحامية الاتجاهات الأساسية للصراع، فهناك الليبرالي ومن كان يدعو إلى اتباع الغرب والرأسمالية، والمحافظ الذي يريد العودة بالتاريخ إلى الوراء، وهناك الفوضوي الذي يريد تحطيم جهاز الدولة. وظهر أيضاً من دعا إلى سلوك طريق حزب البلاشفة وثورة أكتوبر الروسية عبر تأسيس حزب البلاشفة الصيني وتوحيد العمال والفلاحين.
أفرزت تلك النقاشات الحامية تقارباً هادئاً في الآراء عند بعض الشباب، وهؤلاء الشباب هم الذين وضعوا أول مهمة عاجلة على طريق تأسيس حزب البلاشفة الصيني: ترجمة البيان الشيوعي إلى اللغة الصينية. وظهرت المادة الأولى للاجتماع التأسيسي للحزب الذي سمي منذ ذلك الوقت عام 1921 باسم الحزب الشيوعي الصيني.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1024