تعيش في العالم فكرتان..
كتب غوركي في مذكراته عن الصراع المتواصل في الفكر والفلسفة منذ القدم وحتى يومنا هذا، الصراع حامي الوطيس الذي يبرهن على مدى علاقة الفلسفة بالمصالح الحياتية للناس:
«تعيش في العالم فكرتان، واحدة: تنظر بجرأة في ظلام الحياة الغامضة وتسعى إلى حل هذا الغموض، والثانية: تعترف بأن هذه الأسرار لا تفسر وتعبدها خوفاً منها.
- الأولى: لا تؤمن بوجود ما لا يمكن معرفته، وإنما تؤمن بوجود غير المعروف، والثانية: تؤمن بأن العالم مجهول للأبد.
- الأولى: تسير عبر ظواهر الوجود، وتتعرض دون وجل إلى كل ما يصادفها في طريقها الصعب، وتشدد من عزيمتها باستمرار، وترغم حتى الحجارة الصماء على أن تروي قصة بدء الحياة بأسلوب بليغ، والثانية: تندفع هالعة من جانب إلى جانب، محاولة في فشل أن تجد تبريراً لوجودها.
- هل أنا موجودة؟ - تسأل نفسها- في حين أن الأولى تقول: أنا أفعل!
- الأولى تَهِبُ نفسها في أحيان كثيرة إلى آلام الشك في قوتها، ولكن صقيع الشك لا يفعل سوى أن يقويها، فتهبّ من جديد لترى غاية الوجود في العمل، والثانية: تعيش باستمرار في الخوف أمام ذاتها، ويبدو لها أن هناك شيئاً ما عداها أرقى منها، بداية من جنسها، ولكنها معادية لها، وتحفظ سرّ الوجود بصورة مرعبة.
هدف الأولى - الحركة الدائمة من حقيقة إلى أخرى، وعبر كل الحقائق إلى الأخيرة مهما كانت، وهدف الثانية: أن تجد في عالم الحركة الأزلية والارتجاجات الدائمة نقطة ميتة لتثبت عليها فكرة جامدة، وتقيد روح البحث والنقد بسلاسل الإيحاء الحديدية.
إحداهما- تتفلسف حباً بالحكمة، وهي المؤمنة بقوتها ببطولة، والأخرى تفكر بخوف آملة أن تنتصر على الخوف.
الفكرتان حرتان. -إحداهما: ككل طاقة، والثانية: كالكلب المتشرد، يعوي أمام كل باب يحس الدفء خلفه، والهدوء والراحة الرخيصة.
وكثيراً ما تلتصق هذه الفكرة الثانية بجدران المعابد متوسلة لتجلب الانتباه إليها - متوسلة إلى الخوف الذي ابتدعته هي نفسها. إنها هي التي تتفسخ فتنفث في الأرض سمومها وتنفث القنوط، أما الفكرة الأولى: فتزين العالم بمعطيات العلم والفن».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 986