انتفاضة الجلاء في ذكريات الوطنيين

انتفاضة الجلاء في ذكريات الوطنيين

كانت العديد من مناطق البلاد مسرحاً لأحداث انتفاضة الجلاء في أيار وحزيران 1945، وأعلن الوطنيون استعدادهم للنضال ضد الاستعمار وتحرير البلاد، وساهم آخرون بقيادة هذا النضال، نذكر منها بعض المحطات المهمة.

برقية الشيخ صالح العلي

عند قيام القوات الفرنسية بضرب مقر البرلمان السوري في 29 أيار 1945 واستشهاد الكثير من الوطنيين، أرسل الشيخ صالح العلي برقية إلى سعد الله الجابري رئيس المجلس النيابي السوري يعلن فيه استعداده لدعم أي إجراء يكون مناسباً ضد المستعمرين.

نص البرقية

«سيوف المجاهدين تتململ في الأغماد. ونفوسهم في غليان واضطراب. لا نقبل أن تمتهن وتخرق حرمة الاستقلال. إننا للمعتدين بالمرصاد. وسيرى الظالمون أي منقلب ينقلبون». صالح العلي
وأرسل رئيس المجلس النيابي سعد الله الجابري برقيو جوابية إلى الشيخ صالح العلي هذا نصها:
«إن برقيتكم قد هزت الضمير الوطني، وأيقظت الشعور القومي، وهيجت في نفوس المخلصين حب الجهاد والرغبة في الاستشهاد». رئيس المجلس النيابي، سعد الله الجابري. المصدر: الموقع الإلكتروني لأسرة الشيخ صالح العلي.

حركة 29 أيار في السويداء

جاء في كتاب «أحداث الثورة السورية الكبرى كما سردها قائدها العام سلطان باشا الأطرش» الصادر عن دار طلاس عام 2007 تفاصيل حركة 29 أيار 1945 في السويداء كما تحدث سلطان باشا الأطرش «الصفحات 362-366» جاء فيها:
كانت القوات الاستعمارية الفرنسية تنتشر في قلعة السويداء ونواحي صلخد وشهبا، مكونة من تسع كوكبات خيالة وسرية مدرعات ومفارز النقل واللاسلكي والخدمات، يقودها الكومندان سارازان ويعاونه ضابطان. إضافة إلى ضابط ارتباط بريطاني هو الميجر ولز.
أما الحكومة الوطنية فكانت مكونة من المحافظ حسن الأطرش، وقائد الدرك زيد الأطرش، وقائمقام صلخد صيام الأطرش، وقائمقام شهبا طرودي عامر، وقائد شرطة السويداء محمد صالح أبو عسلي، إضافة إلى عدد من الضباط السوريين في الجيش الفرنسي.
ومع العلم أن الفرنسيين كانوا على علم بالحركة المناهضة لهم في الجبل، وحاولوا إيقافها عبر المال والرشوات، ولكن وحدة الصفوف الوطنية أحبطت مخططاتهم الرامية إلى تفريق الصفوف.
استطاع الوطنيون خلال ساعات معدودة إنهاء الوجود الاستعماري في جميع أنحاء الجبل، ورفعت الأعلام الوطنية في جميع الثكنات والقلاع العسكرية يوم 29 أيار، ولما علم الكومندان سارازان بأمر الانقلاب الأبيض، حاول أن يحبط ذلك، لكنه لم يجد إلى جانبه سوى نفر قليل من الضباط والجنود، وسيق الجنود والضباط الفرنسيون إلى منزل حسن الأطرش، وعوملوا أحسن معاملة، ثم تسلمتهم فصائل بريطانية مدرعة نقلتهم إلى دمشق.
وفي اليوم الثاني للانقلاب «30 ايار»، وصل فخري البارودي بصحبة المجاهد عقلة القطامي إلى السويداء، وأعلن أمام الوطنيين أن العاصمة قد احتلها الفرنسيون، إثر ضربها للبرلمان، وأن الحكومة ستنتقل منها إلى السويداء ريثما تنفرج الأزمة السياسية القائمة.
سمع الناس أصوات الطائرات، وتوقع الجميع غزواً قريباً للجبل، فشدد الناس أعمال الحراسة والدوريات وتطوع جمهور كبير في صفوف الوطنيين، وأُحبطت المؤامرات الاستعمارية.

المعارك العنيفة في حماة

كتب أوائل الشيوعيين في مدينة حماة محطات من نضالهم ضد الاستعمار الفرنسي، ومنها المظاهرة التي أعقبت مباراة كرة قدم بين فريق سوري وفريق فرنسي في أيار 1945، تحولت المظاهرة إلى معارك شاملة مع الاستعمار في المدينة شارك فيها الشعب وفصائل الدرك. وتحدث كتاب «ثورة حماة على الطغيان الفرنسي في أيار 1945» لواضعيه عثمان الحداد، حسين القطان، عبد الحسيب الشيخ سعيد عن أحداث معارك الجلاء العنيفة في مدينة حماة.
ففي يوم الأربعاء 30 أذار 1945 هوجمت حماة بالطائرات الفرنسية التي استمرت تلقي قنابلها الثقيلة على البيوت أكثر من عشر دقائق، فأسقط المجاهدون ببنادقهم طائرتين، وجروا حطام إحداهما من قرية معرين إلى قلب المدينة بعد انتهاء المعركة.
وتبع ذلك وصول حملة عسكرية ضخمة قدمت من حمص تضم عدداً من الدبابات والمصفحات وأربعاً وعشرين سيارة كبيرة مشحونة بالجنود، ومدفعين من العيار الثقيل، وكان يقودها الكومندان سيبس، جاءت من جنوب حماة فجوبهت بمقاومة شديدة من مجاهدي تل الشهداء، فارتدت واتجهت غرباً تريد الوصول إلى الثكنة باختراق جبهة كرم الحوراني «اسم حي غرب جنوب حماة»، وفي الوقت ذاته خرجت فرق الخيالة من الثكنة لنجدتها، فكانت المعركة الضارية الباسلة التي استمرت من السابعة صباحاً وحتى الثامنة مساء بين المجاهدين ببنادقهم القديمة، وبين قوات نظامية بأحدث الأسلحة والعتاد، في أرض مكشوفة لا تصلح لحرب العصابات. وعلى الرغم من وصول سلاح الطيران الفرنسي وقصف المدينة قصفاً كثيفاً أدى لتهديم مائة وعشرين منزلاً، ومع ذلك صمدت المدينة واندحرت الحملة المدرعة وقتل قائدها سيبس وبعض معاونيه من ضباط المدفعية، وبقيت مئات الجثث في أرض المعركة، وأسقط المجاهدون طائرة وعطبوا أخرى سقطت في حربنفسه، وغنم المجاهدون سيارتين وعدة رشاشات وسيارة كبيرة مشحونة بقنابل المدفعية، وعطلوا دبابتين وعدداً من المصفحات والمدافع، وسحبوا كل هذه الغنائم إلى ساحة العاصي، وحرروا محافظة حماة من الاحتلال الاستعماري.

تحرير الجزيرة

قصف الاستعمار الفرنسي مدن الحسكة والقامشلي بالمدفعية والرشاشات في أيار وحزيران 1945، وتشكلت القوى الوطنية من فصائل الدرك بقيادة الضابط برهان قصاب حسن، وقوات المقاومة الشعبية بقيادة سعيد آغا دقوري وقوات العشائر. وقد حرر الوطنيون جميع الثكنات في المدن والنواحي رافعين الأعلام الوطنية محل الفرنسية، وكان الشيوعيون مشاركين في حصار ثكنتي القامشلي والدرباسية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
968
آخر تعديل على الإثنين, 01 حزيران/يونيو 2020 14:51