ساهمت معنا بتحرير فييتنام
يعطينا كتاب «الأدب الفييتنامي» بمجلداته الخمسة صورة عن دور الحركات الوطنية والثورات الاجتماعية في تطور اللغات والكتابة، وصدر «الأدب الفييتنامي» بنسخته العربية عن وزارة الثقافة في دمشق عام 1980. تأليف لجنة كتاب من مدينة هانوي، وترجمة الأديب الراحل عبد المعين الملوحي «الشيوعي المزمن».
الثورة الفييتنامية وتطوُّر الكتابة
رغم نضالها البطولي العنيف، أصيبت الحركة الوطنية الفييتنامية بالهزائم المتلاحقة منذ عام 1860 إلى عام 1930، وقاد ذلك عدداً من الوطنيين الفييتناميين إلى البحث عن سبل أخرى، فتأسَّس الحزب الشيوعي عام 1930 فاتحاً عهداً جديداً للحركة الوطنية واستعاد الشعب استقلاله عام 1945 بعد 15 سنة من النضال وتأسست جمهورية فييتنام الديمقراطية بقيادة هوشي منه.كان الأدب الفييتنامي قبل قرن يكتب بلغة الهان أو الصينية المدرسية، وهي اللغة الثقافية المشتركة لكل الشرق الأقصى «الصين واليابان وفييتنام وكوريا».
ومنذ مطلع القرن العشرين حرص الوطنيون على نشر أفكارهم الجديدة، ورأوا أنّ الـ «كوك نغو/ الكتابة الرومانية المستخدمة في فييتنام» يمكن أن تصبح أداة أكثر ملائمة، وعندئذ ارتبط نشر الكتابة الجديدة ارتباطاً وثيقاً بتطور الحركة الوطنية. وإذا كان النظام الاستعماري يحرص بكل قواه على إبقاء الشعب في غياهب الجهل، فقد كان الوطنيون يحرصون على النضال ضد الأمية والجهل، وكثيراً ما كانوا يتعرضون للأذى والاضطهاد من جانب السلطات الاستعمارية لأنهم ينفذون مهمتهم في تعليم الجماهير.
إنَّ إدخال الكتابة الرومانية ونشرها قد رافقهما تطور الطباعة ولعبت دوراً في مكافحة الأمُيّة في ظل النظام الاستعماري ونشر التراث والأدب الفييتنامي، ولم تتسع هذه الحركة إلّا في عام 1936، عندما تولَّت منظمة شعبية كبيرة وبقيادة الحزب الشيوعي نشر المطبوعات بهذه الحروف، فازدادت الصحف والمنشورات والكتب.
وخطت البلاد خطوة حاسمة عام 1945، ولأول مرة في تاريخ البلاد، تقرر اعتبار اللغة القومية لغة رسمية للإدارة والتعليم في جميع مراحله مع الكتابة الجديدة. وبعد انتصار الثورة في الصين، طور الصينيون أيضاً أبجدية الكتابة بحيث تلائم التطور الحاصل في الصين. وكانت ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى أول من فتح عهد تطوير الأبجديات واللغات في بداية القرن العشرين عند العديد من شعوب الشرق عبر تطوير الأبجدية الروسية.
معبد الأدب
في مدينة هانوي صَرْحٌ قديم عمره يقارب 1000 عام، هو معبد الأدب الذي بني عام 1070 ميلادي كمقر لتلاميذ الفلسفة الصينية الكونفوشيوسية.
يعتبر الفييتناميون معبد الأدب أول جامعة وطنية في فيتنام. تأسست في عهد الإمبراطور لاي ثانه تونج، وقد خصص المعبد لأول مرة لطلاب الكونفوشيوسية ورجال الأدب من أبناء الطبقة المالكة، ولكن بعد عام 1442 اعتمد نهجاً أكثر مساواة لضم الأفراد الموهوبين من جميع أنحاء البلاد، والذين توجهوا إلى هانوي لتعلم مبادئ الكونفوشيوسية والأدب والشعر.
وفي هذا المعبد، دُوّن الأدب الفييتنامي القديم الذي واصل تطوره حتى نهاية القرن التاسع عشر، لتؤسس ثورة الاستقلال عام 1945 تطوراً جديداً للكتابة في فييتنام.
الترجمة إلى العربية
إضافة إلى كتاب «الأدب الفييتنامي»، ترجم الأديب الراحل ابن مدينة حمص العديد من أعمال الأدب الصيني والأدب الفييتنامي إلى اللغة العربية مثل: «من القصص الفييتنامية»، «الشعر الصيني» «مسّاح الأحذية الصغير في سايغون»، «تاريخ الشعر الصيني المعاصر»، «ديوان منذ، شاعر فييتنام توهو»، وحصل على وسام الصداقة من فييتنام مع شهادة تقدير من الرئيس الفييتنامي كتب عليها: لقد ساهمت معنا بتحرير فييتنام.
رحل الملوحي عن عالمنا في مثل هذه الأيام من شهر آذار عام 2006 عن عمر ناهز 89 عاماً، بعد أن ترك تراثاً واسعاً من الأعمال، وأصدر 110 مجلدات موزعة على الأنواع التالية: التراث العربي 17 مجلداً، التأليف 23 مجلداً، دواوين الشعر 5، أدب ذاتي 10، جمع وإشراف 10، ترجمة 37، إضافة إلى أكثر من 100 مخطوطة و1500 مقالة في 144 مجلة وجريدة عدا المحاضرات والندوات والمقابلات والخطب.
حصل الأديب الراحل على إجازة في الأدب العربي عام 1945 في القاهرة. وعمل كمعلم في المدارس الابتدائية 1938-1942 ومدرس للغة العربية 1945-1958 1961، ومدير المركز الثقافي في حمص 1961-1963، ومدير المركز الثقافي في دمشق 1963-1965، ومدير التراث العربي في وزارة الثقافة 1965-1976 وغير ذلك. سافر إلى الصين وعمل مدرّساً للغة العربية في جامعة بكين. وحصل على عدد من الأوسمة والألقاب، مثل أستاذ شرف في جامعة بكين ووسام الثقافة من بولونيا.
تحية إلى الرفاق
كان الملوحي يوقِّع مقالاته في جريدة قاسيون باسم «الشيوعي المزمن»، وعند انعقاد الاجتماع الوطني الثالث للحزب عام 2004 أرسل تحية إلى الاجتماع جاء فيها:
«رفاقي الأعِزَّة، رفيقاتي البواسل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يؤسفني أنَّ وضعي الصِّحِّي حرم عيني رؤية وجوهكم الناضرة وحرم أذني سماع هتافاتكم الهادرة، ولئن فاتتني رؤية وجوهكم وسماع أصواتكم فلن تفوتني تحيتي لكم وإعجابي بنضالكم وتأييدي لحركتكم المباركة الصادقة. إني وأنا الشيوعي المزمن، أبارك مساعيكم وأشاطركم أهدافكم، وأنا على يقين أنكم تستحقونها عن قريب».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 957