رسالة إبراهيم هنانو البلشفية
قبل 100 عام، كان القائد الوطني إبراهيم هنانو يقود الثورة مع رفاقه ضد الاستعمار الفرنسي في الشمال السوري.
ثورة الشمال
في نيسان 1919، بدأت المعارك الأولى لثورة الشمال. قاد الثورة إبراهيم هنانو الذي استطاع توحيد الثورات الصغيرة في المنطقة، وهكذا قاد عملياتها يوسف السعدون في سلقين وأنطاكية وعموم لواء اسكندرون، ونجيب عويد في منطقة حلب وريفها، ومصطفى حج حسين في جبل الزاوية، وشارك في الثورة عمر البيطار في الحفة. وأعلن الزعيم إبراهيم هنانو الثورة ضد الاستعمار الفرنسي رسمياً في أواسط شهر أيلول 1920، في بيان موجه إلى عموم أفراد الشعب للمشاركة في الثورة.
وبعد نشر هذا البيان بعدة أيام وصل هزاع أيوب، مبعوثاً من الشيخ صالح العلي إلى الزعيم هنانو، وعرض عليه باسم الشيخ التنسيق والتعاون بين الثورتين فرحب هنانو بذلك، واتفق مع رسول الشيخ على أن تنفذ قوات الثورة في المنطقة الشمالية احتلال بلدة جسر الشغور لكي تتصل الثورتان جغرافياً، وتستند كل ثورة في جانبها على أماكن نفوذ الثورة الأخرى. وتم تنفيذ الخطة فوراً، وتقدم هنانو باتجاه جسر الشغور، في أواخر شهر تشرين الثاني 1920، وهو يقود 250 ثائراً من حلب وكفر تخاريم و400 من سلقين واسكندرون و150 من جبال الساحل.
وصلت هذه الحملة، منتصف ليلة 27/28 تشرين الثاني 1920، إلى «مزرعة الشغارنة»، التي تبعد حوالي 3كم عن مدينة جسر الشغور، وكانت سرية من الجند الفرنسيين ترابط في المزرعة المقابلة (مزرعة السيجري) وتأكد هذا عند صدور نيران غزيرة من هذه المزرعة باتجاه طليعة الثوار، ونظراً لمناعة استحكامات الفرنسيين في المزرعة، صمم هنانو، أن يطوِّق الأعداء بين فكي كماشة وكانت المعركة نصراً باهراً حيث أسروا فصيلة فرنسية تضم ضابطاً و25 جندياً، بالإضافة إلى فصيلة رشاشات تابعة لفوج الرماة الجزائريين الثاني والعشرين، واستسلمت حامية جسر الشغور، بعد هذه المعركة، دون قتال، لأن القسم الأكبر منها كان داخل مزرعة السيجري التي طوقها الوطنيون تماماً، ودخلت قوات الوطنيين إلى المدينة فاستقبلها الأهالي استقبال الأبطال، وهكذا أصبح الثوار يهددون مدينة إدلب ومنطقة الزاوية. وخاض هنانو مع رفاقه العديد من المعارك حتى عام 1921.
المقاتلون البلغار
من الجدير بالذكر، أنه كان من بين المقاتلين مع الزعيم هنانو، شابٌ بلغاري اسمه خريستو، ويشكل انضمام خريستو البلغاري وزملائه إلى الثوار ظاهرة جديرة بالدراسة، خاصة وأنها لم تكن الأولى من نوعها حيث سبقهم إلى ذلك بلغار وألمان أسرهم الشيخ صالح العلي فانضموا إليه في مقاومته للفرنسيين.
لم يذكر مؤرخو الثورة السورية عن خريستو ورفاقه إلا القليل، كما لا نعلم شيئاً عن الأسماء الحقيقية لأولئك البلغار ومعرفة من أين أتوا، وتفهم دوافعهم. لكن ذلك لا يعفينا من واجب تسليط الضوء على ظاهرة نادرة حين سقط أولئك الأبطال شهداء بعيداً عن بلادهم، دفاعاً عن قضية عادلة لشعب محتل.
يا أبناء سورية
يبدو بوضوح أن إبراهيم هنانو كان متابعاً لمجريات ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا، وله كما ذكر يوسف إبراهيم يزبك عدة مراسلات مع لينين يدلّ على ذلك أيضاً بيانه المؤرخ في أيلول 1920 والموجه إلى قناصل الدول الأجنبية، والذي جاء فيه:
«إننا لا نقصد من قيامنا هذا إلا حفظ استقلالنا ليمكننا تأسيس موازنة عادلة على أسس الحرية والمساواة... هذا وإنّا لا ننفَّكُ ندافع عن أوطاننا حتى الموت، فلسنا بمسؤولين عمّا يسفك من الدماء في غايتنا المشروعة، نحن السوريين نموت ونتبلشف (من البلاشفة وهو حزب لينين الذي قاد ثورة 1917 ويقصد هنانو بكلمة نتبلشف أي نثور) ونجعل البلاد رماداً ولا نخضع لحكم الظالمين»
وعلى الرغم من إشكالية الحامل الاجتماعي للثورة، فإن الفلاحين حملوا العبء الأكبر من النضال الوطني في الفترة الأولى من الاحتلال الاستعماري الفرنسي. ومن أدلة المكانة الرفيعة التي تمتع بها الفلاحون داخل الحركة الوطنية، النداء الذي أذاعه إبراهيم هنانو في 6 كانون الثاني 1921، والذي ابتدأ بمخاطبة الفلاحين والقرويين بـ «أهل القرى» وحثهم على القتال. وافتتح النداء بالعبارة التالية: أيها الفلاحون والقرويون يا بني وطني ... ويا أبناء سورية الأشاوس. وخصّ إبراهيم هنانو الفلاحين بندائه في الأيام الأولى من عام 1921 بعد أن انحازت القوى الإقطاعية إلى جانب المستعمرين، أو اتخذت موقفاً مهادناً منهم.
انتهت الثورة عام 1921، وانسحب هنانو مع 40 رجاله باتجاه البادية، وبعد إقامة قصيرة في عمّان انتقل إلى فلسطين كطريق للوصول إلى أوروبا. ولكن سلطات الاستعمار البريطاني سلّمته إلى الفرنسيين، الذين أحالوه إلى سجن خان استنبول ثم إلى محكمة عسكرية فرنسية في حلب. وكانت المفاجأة أن المحكمة الفرنسية أطلقت سراحه. وكان ينتظره 30 ألف إنسان لاستقباله.
جنازة شعبية كبرى
توفي القائد إبراهيم هنانو في مدينة حلب عام 1935، وشارك الشيوعيون في تنظيم جنازة جماهيرية حاشدة للثائر الوطني هنانو في حي الجميلية. خرجت حلب بقضّها وقضيضها وراء جثمان هنانو. وفي الذكرى الأربعين لوفاته اندلعت الإضرابات في سائر المدن السورية مطالبة بالاستقلال. وبعد ستين يوماً من الإضراب اضطر الاستعمار إلى توقيع معاهدة عام 1936 التي ظهرت إلى الحياة بمساعدة الكتلة البرلمانية الشيوعية الفرنسية والرفيق خالد بكداش.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 936