آل باتشينو في «العرّاب»
شاهد الملايين فيلم «العرّاب»، ومن منكم لم يعجب بالفيلم الذي جمع التشويق والإثارة والحبكة والصورة السينمائية المتقنة وخُدع الرموز والإشارات. ومن منكم استطاع مقاومة فيلم سينمائي بطله آل باتشينو؟
ولكن هل انتبه أحدكم إلى الإشارات غير المباشرة داخل مشاهد هذا الفيلم الذي أحبه الملايين؟
أتقن فيلم «العرّاب» تصوير نمط حياة المافيا، ولسنا بصدد ذلك الآن، واحتوت بعض المشاهد إشارات معادية للشيوعية، وهذا من سمات المافيا عالمياً، فالمافيا الإيطالية لعبت دوراً في تخريب الحركة الشيوعية، وكانت المافيات الأمريكية اللاتينية رأس حربة الأنظمة ضد الحركات النقابية، على سبيل المثال لا الحصر. أما المافيا الإيطالية الأمريكية فتقدمت هي الأخرى كوكيلة للرأسماليّة.
قال رجل المافيا الشهير آل كابوني «البلشفيّة تطرق الأبواب، ولا يمكننا تحمّل تركها تدخل... علينا أن نُبقي الأمريكيين ككتلة واحدة آمنة غير ملوثة. علينا أن نُبقي العمّال بعيدين عن الأدب الأحمر والحيل الحمراء. علينا أن نُشرف على بقاء عقولهم صحيحة».
تلعب المافيا دورها في الحالات التي يكون فيها رأس المال بحاجة لها لإرهاب العمّال، كي يقبلوا بالاستغلال الواقع عليهم. فالعامل الحاسم هنا، هو: عداء المافيا لنشاطات منظمات العمّال والفلاحين المستقلة، ما لم يكن بالإمكان إدماجها في برنامج فرديّ ذي صبغة معنويّة فقط. وعليه فإنّ التواطؤ بين المافيا وأحزاب اليمين والوسط والكنيسة الكاثوليكيّة (من بين آخرين) هو تحالف ضدّ اليسار، وتحديداً ضدّ النقابيين والشيوعيين. هذا هو المعنى الحقيقي للمافيا اليوم، ومعناها في كامل الحقبة الرأسمالية كذلك.
أتقن آل باتشينو دوره في «العرّاب» كرجل مافيا، ومن جهة أخرى اتقنت المافيا إرهاب العمال في بلدان العالم، وكانت نموذجاً لاجتماع كل حثالات الأرض لوقف البلشفية في القرن العشرين.
تصور الثقافة الأمريكية رجال المافيا كمقاتلين طمّاعين وخاطئين، ولكن بارعين ومبتكرين، ضدّ المؤسسة القائمة، لطالما لعب أعضاء المافيا دور النموذج المثالي «لنقيض_ البطل Anti _hero» الجذاب في الثقافة الأمريكيّة الدارجة، وهم دوماً شخصيّات محببة ومفضلة لدى كتّاب السيناريو في هوليوود والسينما الأمريكية.