تغييب الذاكرة الوطنية للسوريين
بين فترة وأخرى يتناول البعض رموز الجلاء في موادهم وأبحاثهم، وتنتشر بوستات فيسبوكية مختلفة حول الموضوع. حملت الكثير من هذه المواد طابع الهجوم والتشويه السياسي، وتحريف الوقائع التاريخية، وإخراجها عن سياقها.
نعود إلى بداية المشكلة، عندما كان التعاطي الرسمي مع رموز الجلاء قاصراً في الأصل، فكتب المناهج الدراسية لخصت نضال الشعب السوري في سبيل الجلاء ببضع قصص، وأهملت الكثير من الثورات في المناهج الدراسية ووسائل الإعلام وكتب التاريخ الرسمية، كذلك أهمل منزل يوسف العظمة وزير الحربية وبطل معركة ميسلون الكائن في حي الشاغور، رغم العديد من المطالبات الشعبية والسياسية بتحويله إلى متحف، وجرى هدم منزل قائد الثورة السورية الكبرى في حي المزة القديمة، لتقام جامعة خاصة مكانه، ورفضت الحكومات السورية المتعاقبة إقامة تماثيل لقادة معركة الدفاع عن البرلمان طيب شربك وسعيد قهوجي. ووصلت الأمور إلى حد قامت فيه إحدى الشركات الليبرالية الكبرى في البلاد، باستخدام صورة يوسف العظمة كملصقٍ إعلاني تسليعي قبل عدة سنوات.
بسبب الممارسات المشابهة والمتواصلة، لم يسمع الكثير من أبناء الشعب السوري عن ثورات الحفة وسلقين واسكندرون وأنطاكية وعفرين ودير الزور وموحسن وخشام والبوكمال والرقة وبياندور وعامودا والمالكية والحسكة وعين العرب والمزة القديمة، ودور مدينة السقيلبية في ثورة جبل الزاوية وغيرها، كذلك جرى إغفال دور الشيوعيين والكثير من الوطنيين في معارك الجلاء، حتى قيل إن تغيب الذاكرة الوطنية السورية جرى عن قصد.
روى أحد الصحفيين عن طريقة تغطية وسائل الإعلام الرسمية لأحد احتفالات الجلاء، التي قامت قبالة بلدة مجدل شمس المحتلة في الجولان، أخذ المحررون القائمون مادة من مصادر أجنبية مترجمة، نقلاً عن مصادر أجنبية أخرى، وتضمنت المادة مصطلحات لا تستخدمها إلا الصحافة الصهيونية!
في السنوات القليلة الماضية، ارتفعت حرارة الهجوم على رموز الجلاء بشكل علني عند بعض الجهات، وصرنا نقرأ موادّ في الصحافة شبه الرسمية، تحرف الوقائع وتغيب بعضها، وتبنت جهات أخرى الهجوم على يوسف العظمة وغيره، في إحياء لدور من جر عربة غورو، ورحب بالاستعمار وسميت إحدى مناطق دمشق الرئيسة باسمه!