السياسة والكرتون المدبلج
بدأت دبلجة وترجمة الكرتون الياباني إلى العربيّة في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، كنتيجة لإنشاء مؤسسة الإنتاج المشترك التابعة لدول التعاون الخليجي في 1976 لصناعة برامج تلفزيونيّة من أجل منطقة الخليج العربي.
ثمّ في نهاية التسعينيات وبداية الألفيّة، أصبح مركز الزهرة (Venus Centre) المتمركز في دمشق، هو المسؤول الأكبر عن دبلجة الكرتون إلى العربيّة بشكل مباشر عن اليابانيّة، وهو الذي يعمل عادة بالتعاون مع شركة الاستثمار الأردنيّة «Weiss brothers» (شركة مركز الزهرة، وقناة سبيس تون، مملوكتين بشكل مباشر لشركة ويس الأردنيّة_ المترجم).
إنّ الطريقة التي تمّت فيها ترجمة الكرتون منذ السبعينيات وحتّى اليوم الحاضر، تعكس التيار السياسي الحاكم في العالم العربي. فالمنتجون يختارون البرامج التي تشجّع غالباً على الفكرة المثاليّة عن الوحدة العربيّة_ الإسلاميّة. وكذلك هناك تركيز على العائلة وعلى الشرف الموروث وعلى الأخلاق الحميدة. كان هذا هو الهدف الأساس من إنشاء «مؤسسة الإنتاج المشترك» التي أنتجت النسخة العربية من «شارع سمسم» (افتح يا سمسم) الذي أوقف عقب حرب الخليج الأولى، وكذلك قنوات مثل «ART teens». وكذلك ساعدت الشركات ذاتها التي تقوم بدبلجة الكرتون على إنتاج كرتون محلي ذي طابع إسلامي صريح: مثل مسلسل كرتون «الأشبال» الذي يتحدّث عن ثلاثة مكتشفين مسلمين يسافرون عبر العالم الإسلامي مع مدرسيهم.
يقوم مركز الزهرة بحذف أيّ شيء يشير أو يتصل بالرومانسيّة والشتائم والدعابة غير المحتشمة، والتنانير القصيرة والكحول والدماء والسحر، والمعتقدات غير الإسلاميّة عن الحياة الأخرى، والتي توجد في النسخ اليابانية الأصليّة. وذلك من أجل تجنّب إغضاب الأهل المسلمين الناطقين بالعربيّة. مثال: في نسختهم من مسلسل «مغامرات ساندي بيل» تبقى الشخصيّة الرئيسة تشكر الله وتوحده، وذلك خلافاً للمسلسل الأصلي (وحتّى للنسخة السابقة التي قامت مؤسسة الإنتاج المشترك بدبلجتها_ المترجم). مثال آخر: المسلسل الكرتوني المليء بمحتويات سوداء، والموجّه أساساً للكبار: «Hunter X Hunter»، والذي تمّت دبلجته تحت اسم «القنّاص»، تدور قصته الأساسيّة عن صيّاد جوائز يتلقى المال مقابل خدماته. لكن في النسخة المدبلجة تمّت تنقيته وتأطيره بشكل أخلاقي وتوجيهه للأطفال.
تؤدّي هذه التنقية التي تركّز على التهذيب والأخلاق، إلى تعريض الأطفال المتلقين لمؤثرات هامشيّة وموجهة. ففي بعض الأحيان تركّز هذه الدبلجات على إظهار ما يختبره الناس في وجه العنف، حيث تمجّد الشجاعة الفرديّة في وجه القتامة الاجتماعيّة الغامرة. وكثيراً من هذه المسلسلات ترتكز عند صناعتها على قصص غربيّة للأطفال، مثال: «dog of Flanders» المترجم باسم «بائع الحليب»، والذي يحكي قصّة صبيّ دانماركي يتحمّل التمييز والفقر بثبات وهو مسؤول عن إطعام جدّه وكلبه.
وتحاول السلطات العربيّة احتواء الإنتاج المحلي للكرتون المتزامن مع صعود نجم فناني الكرتون في المنطقة العربية. مثال: في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، قام الحساب الرسمي الناطق بالعربيّة، والتابع للحكومة اليابانيّة بالإعلان عن أنّ شركة «Toei Animation» سوف تتعاون مع السعوديّة من أجل إنتاج كرتون خاصّ بالسعوديين.