الطفولة تُعبّر عن نفسها!؟
أحاسيسٌ مباشرة، وتعابير بسيطة، وألوانٌ حارة وزاهية، لا تخضع للمقاييس والمنظور، تصور الواقع، أو تحوله إلى خيال، كسمكةٍ معلقةً بين السماء والأرض وتسبح في الفضاء. أو العكس، تجسد الخيال في الواقع، فترى النجوم تسرح وتمرح على الأرض.. هكذا هي الطفولة تعبر عن نفسها متجاوزة حدود الزمان والمكان، كما تتجاوز كل الآلام بحثاً عن الفرح.!
أكثر من ثلاثمائة لوحةٍ ورقية من دفاتر الرسم، لعشرات الأطفال بشتى الأشكال والألوان، متجاورةً كقطعٍ صغيرة من الفسيفساء السورية، تبدو جميعها، كلوحةٍ تاريخية عُمُرها آلاف السنين، عن البيئة والطبيعة السورية، والمجتمع السوري وجوهاً وأجساداً، وكأنها تقول: نحن ما زلنا هنا، ونحن المستقبل!
معرضٌ لرسوم الأطفال!
في المركز الثقافي في أبي رمانة، أقيم معرضٌ لرسوم الأطفال، من مختلف الأعمار، بدءاً من ثلاث سنوات، ولغاية 14 سنة، وذلك اعتباراً من يوم الثلاثاء 26/12 ولغاية يوم السبت 30/12 بمناسبة أياد الميلاد ورأس السنة.
بضع مئات من اللوحات، انتزعت من دفاتر الرسم، بألوانٍ حارة، معبرةً عن الفرح والأمل والمستقبل والطبيعة الزاهية، وغابت فيها الألوان القاتمة، والألوان الرمادية واللون الأسود، وكأنها تنفي بإحساسها الواقع المرير خلال السنوات الماضية من الأزمة وما فيها من مآسٍ، عانى فيها الأطفال مع أسرهم، وحرموا من أبسط حقوقهم في الحياة واللعب.
بعضها صور الحيوانات، كالطاووس بألوانه وريشه المنفوش، أو القطة بعيونها المتغيرة ألوانها، والتي تلمع في الظلام، أو الفيل، وهو يرفع خُرطومه إلى السماء، أو الأسماك صغيرها وكبيرها بحركاتٍ راقصة!
وبعضها صور بابا نويل، بهدايا وبدون هدايا، أو وجه الأم، أو وجه الأخوة والأخوات، تبعث الدفء والفرح، رغم أن مقاييسها وملامحها لا تخضع للأبعاد وللنسبة والتناسب الطبيعية!
وبعضها الآخر صور الطبيعة الحية، كقوس الفرح (قوس قزح) والشمس والنجوم والجبال والأنهار والأشجار والورود والحقول، فترى الجبال والأنهار وكأنها تسير جنبهم أو في متناول أياديهم!
أو صورت الطبيعة الصامتة، كمزهرية تكاد تنطق وتضحك، وزهرة توليب تقف شامخة، أو التراث كطربوش الجد في حركة راقصة للشرشوبته، أو البيوت المتراكمة فوق بعضها، وكأنها عشوائيات الزمن المحيطة بالمدن!
وبعضها زخارف بأشكال هندسية، أو مساحات لونية عشوائية أو منتظمة تثير الأحاسيس الجمالية.
أدوات بسيطة
استخدم غالبية الأطفال أدواتٍ بسيطة كالألوان المائية العادية، أو الألوان الخشبية والشمعية، يتداخل فيها الخط واللون والحركة دون الخضوع للمقاييس والمنظور، وبعضهم استخدم طريقة اللصق كالكولاج، بلصق الأوراق الملونة، أو أوراق الأشجار، أو أوراق الجرائد، وقطعٍ صغيرة من القماش الملون، أو أزرار مقطوعة من الثياب، تبدو كعيونٍ مفتوحة!
المعرض مشترك بين الأطفال المشاركين في الفعاليات الدائمة التي يقيمها المركز الثقافي كل يوم سبت مجاناً، بتعليم الأطفال الرسم، بمساهمة وتبرع من الفنانتين: آني مسروبيان، والفنانة وفاء الحافظ، وبإشراف الفنان فايز الحلبي.
وقاسيون خلال زيارة وجولة في المعرض، وجدت أنّ الشيء الذي يجذب في المعرض، هو الطفولة، وهو لا يخضع لسلطة الاسم الفني، أو الاستغلال أو الاستثمار، والأهم، هو: الاهتمام بإبداعات الأطفال، وعرضها في معرض، ودون أن يكون له حتى اسم، وهو نادراً ما نشاهده خارج نطاق المدارس، والشكليات التي ترافقها، وهؤلاء الأطفال، هم أملنا المستقبلي، سواء بإبداعاتهم الفنية، أو بوجودهم في مختلف نواحي الحياة لاحقاً!