أنطونيو غرامشي ورأس السنة
غرامشي يكره رأس السنة لأسبابٍ عدة، منها: تحويل العيد إلى تجارة، وتحويل البهجة والفرح إلى مناسبة لجمع الأرباح والنقود، وتسليع الفرح الإنساني كما تسليع كل شي في ظل الرأسمالية.
كتب غرامشي المفكر الإيطالي، وأحد مؤسسي وقادة الحزب الشيوعي في إيطالياً، مقالاً مشهوراً حمل عنوان »لماذا أكره يوم رأس السنة؟»، نشرته صحيفة Avanti الإيطالية بتاريخ 1/1/1916، وترجمه ألبرتو توسكانو إلى الإنكليزية لصالح مجلة Viewpoint.
يقول في بداية المقال: »كل صباح، حين أصحو مجدداً تحت بساط السماء، أشعر أن اليوم هو رأس السنة بالنسبة لي. لهذا السبب، فأنا أكره أعياد رأس السنة التي يتم إسقاطها علينا كاستحقاقات ثابتة، تُحوّل الحياة والخيال البشري إلى موضوع تجاري، له حساب نهائي أنيق، ومبالغ غير مسددة، وميزانية للإدارة الجديدة. هذه الأعياد تُفقدنا استمرارية الحياة والخيال، إذ نبات نعتقد بجدية أن هناك فاصلاً بين السنة والأخرى؛ أن تاريخاً جديداً يبدأ، فنضع القرارات ونندم على التململ، وهكذا. وهذه هي بعامة مشكلة التواريخ المحددة».
القضية ليست قضية عيد رأس السنة، بل القضية هي تسليع الأعياد وبيع الفرح للناس من جهة، ومن جهة أخرى تزوير التاريخ عمداً، وكأن البشرية قفزت من جبال لتجد نفسها في مكان جديد أو حياة جديدة!
يقولون: إن الترتيب الزمني هو عماد التاريخ. حسنًا، لكن علينا أن نتذكر كذلك، أن هنالك أربعة أو خمسة تواريخ أساسية يحفظها الجميع في عقولهم، وقد تحايلت على التاريخ. هذه التواريخ هي أيضاً رؤوس سنة؛ رأس السنة للتاريخ الروماني، أو العصور الوسطى، أو العصر الحديث.
هذه التواريخ باتت توسعيّة وأحفورية، لدرجة أننا نجد أنفسنا أحيانًا نعتقد أن الحياة بدأت في إيطاليا عام ٧٥٢، أو أن ١٤٩٠ أو ١٤٩٢. عندها يصبح التاريخ المحدد عائقاً، يمنعنا من إدراك أن التاريخ يستمر بكتابة نفسه في المسار الأساس الثابت نفسه، دون انقطاعات مفاجئة، كما ينقطع شريط الفيلم في السينما لنشهد فاصلًا من الضوء الساطع.
نحن نكره اليوم الأول في الأسبوع لأننا نكره الرأسمالية، وليس اليوم الأول بالضبط، يخاف الفقراء من الأعياد لأنها مناسبات لدفع فواتير إضافية للرأسمالية، وهكذا نكره الأشياء بسبب الرأسمالية وليس بسبب الأشياء.