ياي... كل شيء فيها طبيعي!
دقّات على باب شقتي أشبه بتلاعب ماهر لعازف على الدربكّة. إنه موعد لقائي مع صديقي الباحث الولهان عن شريكة العمر. فور دخوله كاد يرقص فرحاً وهو يضمّني صائحاً:
فُرِجَت، فُرِجَت، فُرِجَت، ولك فُرِجاااااااات..
انتقلت غبطته إليّ بالعدوى فسألته متلهّفاً:
خيراً صديقي! شوّقتني؟!
أجاب بعد أن التقط بعضاً من توازنه:
آه يا عزيزي، وأخيراً (وعاد يهتف باعقاً كمعلّقٍ رياضي في مباراة لكرة القدم وقد وصل المهاجم إلى مرمى الخصم) ولك وأخييييييراااً.. وصلت إلى مرادي. لقد وجدتُ الفتاة التي سأتزوّجها بعد جهدٍ جهيد من البحث المضني والطويل.
ابتسمتُ قائلاً:
ألف مبروك يا صديقي. أرجو ألّا يخيب أملك وتتبخّر أحلامك كسابقاتها..
همد فجأةً واتخذ سيماء الجدّية وأجاب شارحاً:
لا، هذه المرة غير شكل. الله وكيلك كل شيء فيها طبيعي؛ يا رجل، الأنف ولا عملية تجميل، الحاجبان حقيقيان لا تاتو ولا غيره، الشفاه لا سيليكون ولا من يحزنون، الوجه لا شدّ ولا نفخ، الصدر ناهد كما خلقه ربّك. الشعر، يا أمّي ما أحلاه! وحياة أختي بقيتُ عدة أيّام، كلما قابلتها كان شغلي الشاغل التدقيق بجذور شعرها، حتى أنني استعنتُ بنظّارة مكبّرة لأتأكّد من لونه الحقيقي.. يعني يمكنك القول بنت أكسترا، وكأنك تشاهد ممثلات السينما أيام الأبيض والأسود. وختم مداخلته بالقول: يا أخي فعلاً جميلة الله يستر عليها.
أجبته مختصراً وقد تملّكتني ابتسامة دائمة على طريقة وصفه لفتاته:
لا ريب في أن الشكل مهمّ. وأنا شخصياً لستُ ضدّ عمليات التجميل في حال الضرورة. لكنني ضدّ التركيز على الجمال الظاهري وإغفال حقيقة الجمال الإنساني للمرأة؛ بتفاؤلها وحلاوة روحها ومرحها وذكائها وثقافتها وحسن تدبيرها وإبداعها وكفاحها لخير البشرية.. وما أتمنّاه أن ينطبق مضمون عروسك على شكلها يا عزيزي.
تجهّم وجهه فجأةً وسرعان ما قاطعني وقد رمى عليّ نظرة استنكار:
يا رجل، أنتم الماركسيون دائماً تصرعوننا بمقولات الديالكتيك؛ الضرورة والصدفة، السبب والنتيجة، الشكل والمحتوى.. برأيي، غالباً ما يكون الشكل انعكاساً للمحتوى. وفي حالتي، أنا متأكّد من توافقهما. وإذا كنتَ تؤمن بالديالكتيك فهذا ينفي أيّ قلق أو ريبة. من هنا مبعث اطمئناني.
قلت له موضّحاً وحريصاً بذات الوقت على احترام تفاؤله:
لا يا صديقي، الشكل لا يعكس المضمون دائماً. ثم إن ماركس يقول: «الشكل لا قيمة له إذا لم يكن شكلاً للمضمون». فالكثير من الأنظمة تدّعي شكلاً محاربة الإرهاب والفساد والظلم و.. وفي حقيقة الأمر هي تمارس وتحمي وترعى ما ذكرت.
ولما شعر بأن سعادته قد اختلّت واقتربت من الخدش استطرد قائلاً بنبرة مستاءة:
لا حول ولا قوة إلا بالله، أبوس إيدك حبيب قلبي، أرجوك ثمّ أرجوك، عندما أتحدّث عن الحبّ والغرام، أبعدنا عن الفلسفة وعن السياسة، كرمال النبيّ محمّد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 815