معتقل الخيام أحيل باحة منبسطة ... لا شيء فيها يختزن ذاكرة السجّان
عام واحد يفصل بين تدمير معتقل الخيام تدميراً شاملاً تحت «أمطار» القصف الصهيوني وقرار الأمم المتحدة بإدراج معسكر «أوشوتيز» في ألمانيا ضمن «التراث العالمي»، ففي الوقت الذي تجهد «إسرائيل» للحفاظ على ذاكرة «شعبها» وأرشفة تاريخه في متاحف ومكتبات وفنادق أقيمت في معسكرات سابقة، لتعيد توظيفها في استدرار عطف المجتمع الدولي في شكل يكاد أن يكون ابتزازاً، تمنع هذا الحق عن غيرها من الشعوب، وتنفي عنها إمكانية بناء مستقبلها على أنقاض ماض أليم. فالصواريخ التي تساقطت على معتقل الخيام وأحالته أرضاً منبسطة لا حجر فيها يحمل رائحة الماضي ليست سوى نموذج.
ولا يسع زائر معتقل الخيام، أو بالأحرى ما بقي منه، إلا أن يقف لحظة عند المدخل ليلتقط أنفاسه. فالدمار الكلي الذي تعرضت له الأبنية المتفرقة لما كان معتقلاً ذات يوم، لا يمكن أن يمر كغيره من مشاهد الخراب والدمار التي تتوالى من لبنان. ذاك أن تلك الغرف والزنزانات والباحات التي اختزنت ذاكرة فردية وجماعية للّبنانيين عرفوا شتى أنواع التعذيب على أيدي الصهاينة، ما عادت موجودة سوى في صور قديمة وروايات بعض الناجين.
عند المدخل بقي هيكل البوابة المدهونة بألوان العلم اللبناني، وركام مطعم صغير كان «حزب الله» بناه للزائرين بعد التحرير عام 2000 وتسلمته إدارة المعتقل. أما في الداخل فليس ما يذكّر بغرف السجانين وزنزانات المعتقلين الضيقة التي لا يتسع بعضها لشخص واحد، فكان يحشر فيها نحو خمسة. لم يبق شيء من غرف الاستجواب والتعذيب حيث الأسلاك الكهربائية والمشاجب المتدلية من السقف وأكياس النايلون وكل الأدوات التي تفنن الصهاينة في ابتكارها إمعاناً في إذلال معتقليهم. كل ذلك قضى عليه القصف الإسرائيلي الذي شكّل المعتقل أول أهدافه العسكرية في تلك المنطقة، فأمطره بالصواريخ إلى أن محاه.
تحول المكان كله إلى باحة فسيحة. بعض المنحوتات التي كان تبرع بها فنانون عرب لتزيين المدخل، تهاوى وصار بدوره ركاماً، فزاد سوريالية المشهد. دبابات قديمة أزاحها القصف من مكانها، لكن عناصر «حزب الله» الذين عادوا وتسلموا إدارة المكان زرعوا عليها علماً لبنانياً... لكن ثبات العلم، على ظهر تلك الدبابة، خارج عن السياق حيث كل شيء مائل وغير مستقيم.
يحتار الزائر كيف يترجم انفعالاته أو يصف تلك المشاهد. فهو العدم إن كان العدم وصفاً. وتعود الذاكرة إلى الفترة التي صار فيها المعتقل مزاراً ومكاناً سياحياً تباع فيه أشرطة أدعية وعلاّقات مفاتيح تحمل صورة الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله وأعلام المقاومة. في ذلك الوقت لم يخف بعضهم سخطه من تحويل المكان إلى منتزه يأكل فيه الزوار ويشربون، ويلعب الأطفال على أنقاض ذكريات المعتقلين. أما اليوم فهم يترحمون على مكان كان على الأقل موجوداً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 280