خليل صويلح خليل صويلح

بحذاء طائر أم بإبادة جماعية.. لا فرق!

أكتب لكم من علو شاهق. أكثر ارتفاعاً بقليل من طائرة أباتشي تتجول في سماء غزة في جولة صيد عادية.

أرجوكم لاتقولوا إنه كان عاماً سيئاً، على العكس تماماً، فهو أقل ألغاماً مما سبقه من أعوام، فنحن اعتدنا أن نمحو الذاكرة، و نضع اللوم على السنة الأخيرة بوصفها السنة الأكثر سوءاً في تاريخنا، ولكن تعالوا نتذكر: متى كنا سعداء؟

لنضع جانباً توقعات ماغي فرح وأخواتها، ونفرش البساط على حجم الخريطة، ونقلّب الألبوم على مهل، فالمجازر والمذابح والانتهاكات الأخوية والقبلية ليست أقل من انتهاكات العدو المعلن، ثم أن قائمة الخسائر لاتنتهي منذ أن كانت عصابات الهاغانا، قبل عقود، تتدرب على الذبح في دير ياسين، على الطريقة النازية، وتنكش أسنانها بين فترة وأخرى بمذبحة هنا  ومجزرة هناك إلى أن أبادت مئات القرى الفلسطينية. هذا أمر اعتيادي لطالما انتصرنا عليه بالجملة الشهيرة «ندين بشدّة»،أو «نستنكر بشدّة»،وكأن «بشدّة» ستخيف العدو أكثر في ما لو قلنا ندين ونستنكر فحسب، ثم أننا روّضنا القاموس منذ عقود حين أرفقنا كلمة «خيانة» بعبارة «وجهة نظر»، وهكذا فإن اسم الفاعل «خائن» صار مجرد مهنة معترف بها لدى هذا الطرف ومستنكرة لدى طرف آخر، ولكنها في المحصلة وجهة نظر،لا أكثر ولا أقل.

حسناً، لنقل أنها كانت سنةً سيئة، ولكن ماذا بخصوص السنوات الفائتة، هل كانت حواشيها مطرّزة بالحرير والشموع؟

طيّب، لنعد إلى الوراء قليلاً، ولنختر سنة اعتباطية، لتكن2003، ياللحظ العاثر، ففي هذه السنة احتلت أمريكا العراق. آسف، كنت أقصد سنة أخرى، ولكن صور الألبوم تقطر دماً من الجلدة إلى الجلدة، فأين المفر؟ ألسنا من حاول اغتيال نجيب محفوظ بخنجر عربي أصيل؟ أوليس نحن من نفى نصر حامد أبو زيد ونوال السعداوي في غزو ثقافي مضاد؟ هناك صورة لصدام حسين. عفواً، في الحقيقة ، هما صورتان: في الأولى وهو يطلق الرصاص في أحد الاحتفالات بعيد ميلاده، وأخرى وهو يتدلى من حبل المشنقة، بإمكانكم اختيار إحدى الصورتين، لا فرق. مهلاً هذه صورة تاريخية حقاً، تستحق وقفة متأملة، قد تقلب الموازين كلها: تامر حسني في مطار عربي، بعد خروجه من السجن مباشرة لتهربه من الخدمة الإلزامية، وجماهير المعجبات تحيطه من كل جانب، إحداهن مغمى عليها، وأخرى ترمي نفسها أمام الليموزين، وعلى مقربة من هذه الصورة لقطة لوصول وفد «باب الحارة» إلى إحدى العواصم العربية يتقدمه أبو شهاب.

تعالوا إلى كلمة سواء: ألم نبتهج إلى اليوم بمحاكمة قتلة سوزان تميم؟ نظراً للمفاجآت المتتالية في أرشيف المغنّية المجهولة، بصراحة كانت من الأيام المشهودة، فالحدث هزّ ضمير الأمة النائمة وأيقظه من سباته، فهو لا يقل أهمية عن انتصار ناقة أصيلة في سباق الهجن، أو شاعر في مسابقة «شاعر المليون». كما ترون فالسنة لم تكن سيئة تماماً، هناك أكثر من نمرة مسلية. صحيح أننا لسنا جميعاً من «برج الدلو»، ولكننا متفائلون بالسنة الجديدة، سواء أكانت بحذاء طائر، أم بقنبلة عنقودية، أم بحرب إبادة معلنة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
386
آخر تعديل على الجمعة, 16 كانون1/ديسمبر 2016 16:40