محمود كمال بكو محمود كمال بكو

الفن حين يفتح الأبواب الموصودة

عندما حلَّ اليوم الموعود أخيراً، توجهنا قبل أربع ساعات من بدء الأمسية إلى صالة الأسد الرياضية لرغبتنا أن نكون أول من سيدخل الصالة، ولكنها بقيت مجرد رغبة،  فالآلاف من الصبايا والشبان كانوا قد سبقونا إلى هناك، ينتظرون فتح أبواب الصالة، وقبل موعد الأمسية  بساعتين كانت الصالة قد امتلأت على آخرها، وهي التي تتسع لخمسة آلاف شخص.

وفي انتظار لحظة اعتلاء مارسيل الخشبة، تشوه الإدراك بالزمن، فغدت الدقائق الباقية لظهوره كأنها أيام، وأطل مارسيل على الخشبة أخيراً وسط تصفيق وصراخ ودموع الصبايا، وهو يقبض برقة على زند عوده كأنه يمسك يد حبيبته في نزهة ما، واستقر وسط الخشبة تماما ً ليقود دفة رحيله في أوردتنا، كيف لا؟ وهو خبير في فك شفرة أبواب الحنين الموصدة في قلوبنا، ويحفظ عن ظهر قلب الشعاب والمسالك التي تفضي إلى يباب أرواحنا، ليرشد إليها وابل من المطر والحب والصفاء، وانحنى على عوده يجدل على أوتاره مواويل العشق والحرية والآه. وقبل أن يشرع في الغناء عبر عن سعادته بوجوده في حلب حيث قال: «بفرح غامر أتينا إلى حلب، حلب الذاكرة والتراث والحب، وكونها مدينة غنية بالتراث الموسيقي سنبدأ هذه الأمسية بمقطوعة من الألحان الحلبية، حيث توافقت قصيدة "طوق الحمامة الدمشقي" مع القدود الحلبية التي زادت من جمالية القصيدة».

ثم عرج صوب الحب وهو وجهته الأبدية، حيث غنى «ريتا» راجياً من كل النساء أن تدندنَ معه تلك الأغنية.
 ثم تسللت  أميمة الخليل إلينا لتغني بصوتها الدافئ أغنية «عصفور طل من الشباك» لنشاركها حزنها على كل العصافير السجينة في العالم ، كما أهدى مارسيل تلك الأغنية إلى كل السجناء العرب في السجون الإسرائيلية، وكل سجناء الحرية في السجون العربية، ثم غنى مقاطع من قصيدة « يطير الحمام» لمحمود درويش،  قبل أن يغني قصيدة « تعاليم حورية » برفقة زوجته المغنية  يولا،  وأهداها إلى السيدة حورية  والدة الراحل  محمود درويش ، وعادت أميمة لتغني   «تكبَّر»،  ثم غنى مارسيل «جواز السفر»  بتوزيع موسيقي جديد، حيث أضاف على لحنها فضاءات موسيقية شاسعة، وترك العنان لأصابع نجليه  رامي على بيانو ، وبشار على الإيقاع،  لتطغى جاذبية الموسيقى على المكان، وتجعلنا نحلق معهم إلى عالم الرقي والجمال ، لتنتهي الأمسية بأغنية «يا بحرية».

توجهنا وحشد من الصحافيين إلى الكواليس، حيث خصَّنا مارسيل بحديث قصير، ففيما يخصُّ مدينة حلب قال: «شكَّلت حلب منذ القدم ذاكرة للتراث الموسيقي العربي، وأنا اشعر بفرح وسرور بهذا اللقاء مع الجمهور الحلبي»، وحول تجديده على صعيد اللحن للأغاني القديمة قال: «التجديد يضيف للأغنية مساحات من التقاسيم المنفردة مما يمنح لها حياةً جديدة»
وتسنى لـ«قاسيون» أن تسأله: «بعد كل هذه الجماهيرية والانتشار، عن ماذا تفتش بعد؟»فأجاب: «لا استسلم أمام الحياة، دائماً يراودني شعور غامض كلما أنهيت عملاً ما بأنه ليس كل ما أردت قوله، لذلك مازلت استيقظ كل صباح لأبحث عن عمل، عن لحن مختبئ في مكان ما لأروضه على أوتاري، أبحث عن كلمات غافية لأمنحها صوتي وأدعوها إلى الغناء».
بقي أن نذكر بأن الفرقة الموسيقية المرافقة لمراسيل ضمت عازفين سوريين هما محمد عثمان  على آلة البزق، وكنان عظمة على آلة الكلارينيت.

معلومات إضافية

العدد رقم:
386
آخر تعديل على الجمعة, 16 كانون1/ديسمبر 2016 16:40