منار ديب منار ديب

حيث يسكت العالم أويكتفي بـ: «هذا مؤسف»

الردح وفرش الملاية
ثمة نخبة سياسية وثقافية مصرية معادية للعروبة تنظر إلى المحيط العربي كعبء أو لعنة جغرافية، والأنكى أن هؤلاء هم أول من يزايد بما قدمته مصر من أجل فلسطين، واقعين في أكثر من خلط منها أن مصر التي قدمت لفلسطين هي مصر عبد الناصر، التي يشكل ما جاء بعدها انقلاباً على منطلقاتها، كما أن الحروب التي خاضتها مصر كانت لأسباب تتعلق بالأمن القومي المصري لا برغبة بتحرير فلسطين، واليوم يشكل مزاج الشارع المصري تناقضاً مع توجهات النظام الحاكم، الذي لا تتردد الصحافة المصرية المعارضة والمستقلة بتوجيه نقد عنيف له، فيما تعمل الصحافة الحكومية المسماة قومية على المماهاة بين البلد والنظام والشعب والنظام، مثيرة نعرات إقليمية ضد العرب ولاعبة على أوتار طائفية بأسلوب الردح وفرش الملاية في الحارات الشعبية. وهذه المقالات المشبعة بنزعة فوقية وبما يشبه جنون العظمة، تحاول أن تخفف من الحرج الذي وقع فيه النظام، وكأنها توجه سطورها إليه أكثر منها إلى القارئ، وهي إذ تفتقد إلى الحد الأدنى من التماسك والنزاهة، وتمارس كذباً سافراً يناسب الصحافة الصفراء لا الإعلام الحكومي الرصين، فإنها لا ترتكب خيانة أخلاقية فحسب بل وتعمق من حالة العزلة والجهل بالقضايا العربية من خلال طرح رواية واحدة متفق عليها، تحيد إسرائيل وتقدمها كطرف من الأطراف لا كعدو، وتغرب المصريين عن بديهيات انتمائهم وعمقهم الطبيعي، خاصة حين تخاطب وجدان القارئ العادي عبر إثارة نزعته المصرية القوية أصلاً

الأطفال المقتولون
مشاهد الأطفال الصريعين بنيران الجيش الإسرائيلي في غزة، بسكونها وتكرارها، تتحول إلى وهم أو إلى شيء عادي. كأنهم نائمون، سيسقط المزيد منهم، لما لا يحدث ذلك، مالذي سيمنع. كل الجبروت العسكري والتكنولوجي في مواجهة الأكثر ضعفاً ورقة. نعم العالم يسكت على ذلك، في أحسن الأحوال يقولون: هذا مؤسف. يدعي الصهاينة أنهم يتجنبون إيقاع ضحايا بين المدنيين، أميل إلى الاعتقاد أنهم يتعمدون أن يسقط أكبر عدد ممكن من المدنيين. لأنهم لا ينظرون إلينا على أننا بشر، والعالم الغربي يشاطرهم هذه النظرة، فالفقراء، العرب، المسلمون، لا ينظر إلى حياتهم على أنها ثمينة. من سيتورط بالدفاع عن حماس هي مجرد إرهاب أصولي، ولتكن منتخبة، ولتكن لم تهاجم أهدافاً غربية. والمدنيون هم مدنيوها، والأطفال هم أبناؤها، هكذا تؤخذ الأمور بالجملة. ثم مالذي يدفع إسرائيل إلى أن تحسب حساباً لأحد، حين تقع مجزرة أطفال تتابع المدن العربية نومها، ولا تجد إسرائيل نفسها مضطرة للتفكير أنها ستدفع ثمناً باهظاً وستعاقب.

غزة والواقعيون
لا أحد يحب الموت، لكن يحدث كما في الحب أو في المشاعر الدينية أن يقدم إنسان أعز مايملك وفق منظومة لا يمكن صرفها إلى معادلة عقلانية. في لحظة تتلاشى لدى الفرد أهمية حياته الشخصية، ويجد نفسه قادراً على التضحية، لأنه لابد أن يفعل ذلك، لأن لا خيار. ضغط التاريخ، ضغط الضمير. المغامرات، التي لا يمكن أن يفهمها من يريد السترة، ومتابعة حياته الرتيبة وتنمية موارده المالية. الغريب أن قطاعات واسعة من الشعب العربي تحمل هذا المزاج، لكن بأي اتجاه يتم صرف هذه الطاقة. في ظل ظروف لا تحتمل، يصير المزيد من التصعيد ضرورياً لكسر جمود لحظة تاريخية مغلقة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
386
آخر تعديل على الجمعة, 16 كانون1/ديسمبر 2016 16:40