إحراق الأوراق الثقافية الطرواديون الجدد

تعتبر خطة حصان طروادة التي قام بها الإغريق ، واحدة من أغبى وأذكى الخطط الحربية على الإطلاق، فهي الذكاء المطبق من قبل الإغريق، والغباء المطبق من قبل الطرواديين. هذه الحرب التي امتدت عشرة أعوام تقريباً، كانت نهايتها غريبة بالنسبة لي.

فبعد أن أنهيت لأول مرة قراءة الإلياذة للشاعر العظيم هوميروس والتي نقلتها إلى العربية عنبرة سلام الخالدي، وقدم لها طه حسين، نظرت إلى الملحمة بعجب، فبعد 296 صفحة من الاقتتال الدامي بين الطرفين ينتهي حصار طروادة بالشكل التالي: ( ولكن، ولما كانت المدينة لا تزال تقاوم، أشارت أثينا على من يسمى إفيوس فابتكر حيلة استولوا بها عليها. فقد تظاهر الإغريق بأنهم يبرحون، فأحرقوا مخيمهم وأبحروا بعيداً في سفنهم، ولكنهم خلفّوا وراءهم حصاناً عظيماً، خبئ فيه من زعمائهم أكثرهم بطولة. فأدخله الطرواديون إلى مدينتهم، ولما جن الليل، وانصرفوا إلى الولائم، لظنهم أن الحرب قد انتهت خرج الزعماء من الحصان، وفتحوا الأبواب، فدخل الإغريق واستولوا على المدينة).

هكذا فجأة بعد عشرة أعوام من الاقتتال يقتنع الطرواديون أن الإغريق ملوا ورحلوا، لا بل وتركوا خلفهم هدية حصاناً خشبياً ضخماً.

الآن وبعد مرور ما يقارب 3100 أو 3200 سنة على انتهاء هذه الحرب، نقف أمام حصان طروادة لكن من نوع جديد، من الخارج لا علاقة له بحصان طروادة، لا من قريب ولا من بعيد، لكن مع قليل من التحليل سنجد أنه حصان طروادة (ومكتر)، فبعد أكثر من نصف قرن على الاقتتال العربي مع العدو الإسرائيلي، طرحت قبل فترة على العرب معادلة (كامل الأرض مقابل التطبيع مع مجموعة من الدول)، عندها (صف) حصان طروادة المتجسد في هذه المعادلة أمام البوابات العربية منتظراً أحد الطرواديين العرب كي يفتح الباب ويدخله، وبين أخذ ورد راحت الأمور سنين بين من يفتح الباب يلقي نظرة متفحصة إلى الحصان من بعيد وبين من يحاول إقناع البقية بإدخال الحصان، ومع مرور السنوات نسي الطرواديون الحصان خارجاً إلى أن جاء قبل فترة من يذكر بوجود الحصان ووجوب إدخاله مضيفاً إليه بعض التعديلات لتصبح المعادلة (كامل الأرض مقابل كامل التطبيع)، طبعاً لو كنا على زمن الإغريق الحقيقي لكان الزعماء الذين في بطن الحصان تخوا من الموت وأصبحت عظامهم مكاحل عالية الجودة وحائزة على شهادة الايزو، لكن ما يوجد في داخل الحصان هذه المرة أمر مختلف تماماً في قرننا الجديد.

وإلى الآن لم يأت من يجر الحصان  إلى داخل أسوار طروادة إلاّ أنه يقترب بهدوء من الأسوار، فبعد أكثر من نصف قرن من الصراع على الوجود،  الدم، الشهداء، والمآسي الطروادية، هل سيصدق الطرواديوون الجدد أن الإغريق ملوا فعلاً ويريدون السلام؟. هل سيدخلون الحصان إلى داخل الأسوار، ويحتفلون ليفتح بطن الحصان ويخرج منه المخبوء. يا أخي في حدا بيجيب الحصان لكرمه.

* عمرو سواح

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

معلومات إضافية

العدد رقم:
171