رداً على بيان المثقفين الأمريكيين
*ممدوح عدوان: الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تزج بثقل ثقافي، إضافة إلى ثقلها العسكري والسياسي
أنور رجا: التنظيرات الأمريكية وسيلة للعبور من فوقها على جثث الآخرين وحقوقهم
نجم الدين السمان: إما أن تشرب الشعوب هذه «الكوكا كولا» .. أو تغرق في دماء «حرب عادلة»
تنشر بين الحين والآخر بعض الدراسات حول المستويات الثقافية والعقلية للشعب الأمريكي والتي تخلص إلى نتائج مفادها أن هذه المستويات منخفضة إلى أقصى الحدود بل إنها معدومة لدى شرائح اجتماعية كبيرة، ويبقى ذلك ضمن المعقول ضمن عملية المسح المنظم التي تقوم بها وسائل الإعلام والاستخبارات الأمريكية، لكننا سنتوقف طويلاً أمام البيان الذي وقعه عدد كبير من المثقفين الأمريكيين، والذي نشرته بعض الصحف العربية، والموقف الذي تبناه هؤلاء المثقفون مع الحكومة الأمريكية وتأييدهم للهجمة الأمريكية على ما يسمونه (الإرهاب).
من يقف وراء هذا البيان، وما هو المقصود به في هذا التوقيت؟ لذا توجهنا إلى عدد من المثقفين وسألناهم عن هذا البيان الذي يعتبر سابقة خطيرة تنذر بالكثير.
نجم الدين السمان
أنور رجاء
ممدوح عدوان
الشاعر والمسرحي ممدوح عدوان:
يتضح من أسماء الموقعين على هذا البيان أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تزج بثقل ثقافي، إضافة إلى ثقلها العسكري والسياسي، ونحن لا زلنا نتذكر أنها استنفرت هوليود أيضاً لمواكبة حملتها العسكرية والإعلامية .
لقد كانت هناك في اليونان القديمة ديمقراطية، لكن هذه الديمقراطية كانت للسادة وليست للعبيد، والغرب كله الآن يتعامل مع الديمقراطية بهذا المنطق الذي يقول: إن الديمقراطية ومبادئ العدالة صالحة للتطبيق على المجتمع الغربي الأبيض، وليست صالحة لشعوب العالم الثالث.
في هذا البيان هناك نقطتان يمكننا الوقوف عندهما، الأولى: (هي حق أي مجتمع بشن الحرب لرد الأذى الواضح عنه). فهل ينطبق هذا على شعوب العالم الثالث أيضاً، هل توافق الولايات المتحدة الأمريكية أن تشن أي دولة من دول العالم الثالث على دولة أوربية تعرضها لأذىً واضح يشتمل سرقة ثرواتهاوقمع روح النهضة فيها، وحتى تقتيل أبنائها؟ إن الأمريكيين يطالبون الفلسطينيين بوقف العنف حسب تسميتهم، والذي هو ليس إلاّ رد فعل أعزل على آلة الحرب الإسرائيلية.
النقطة الثانية: هي شرح الموقعين على البيان رأيهم في حركات التطرف الإسلامية وينوهون بأن هذه الحركات تلقى دعماً وتأييداً ومساعدة من بعض الدول مما يدخلها في خانة الإرهاب الذي يجب أن يحارب، لكن حركة طالبان وتنظيم القاعدة بالذات تلقت دعمها الأول ولسنوات طويلة من الولايات المتحدة ذاتها. لا أظن أن الموقعين يجهلون هذه الحقيقة لذلك أرى أنهم قد وضعوا ثقافتهم وأسماءهم ذات الوزن الثقيل في خدمة السياسة الأمريكية اليومية وليست من أجل توضيح مبادئ العدالة التي يجب ان تسود العالم.
أنور رجا رئيس نحرير مجلة «إلى الأمام»:
يحكم المجتمع الأمريكي الهجين أو المهجن حالة فصام، تجسد في البيان الذي أصدره المثقفون الأمريكيون الموقعون على هذا البيان وأعتقد أنه ينذر بكارثة اشد من هيروشيما، أو حتى فظائع الحروب العالمية، ويؤكد أن الانفجار التقني الذي مكن أمريكا من التحكم بآلة الحرب والاتصال، يمثل ذروة الخطر القادم على البشرية لأن غياب الأساس الأخلاقي والإنساني يجعل من كل ذلك كمثل طفل يلهو بقنبلة.
الفاجعة أن كل التنظيرات السياسية والأدبية حول الأخلاق وحقوق الإنسان والديمقراطية ليست سوى وسيلة تستخدمها أمريكا لتعبر من فوقها على جثث الآخرين وحقوقهم، فمن ليس مع مصالح أمريكا المادية جداً، لا يحق له حتى أن يتنفس الهواء، وبالتالي لا يمكن وضع أية مسافة أو أية فواصل بين هذا النموذج للمثقف الأمريكي، وبين جندي أمريكي أطلق النار ذات يوم على رأس طفلة في فيتنام أو قافلة حمم تصب دمارها على رؤوس أطفال ونساء فلسطين.
القاص والكاتب المسرحي نجم الدين السمان:
يبدو مفهوم (المثقف) مختلفاً، وعلى الطريقة الأمريكية!.
والمدهش في (رسالة المثقفين الأمريكيين) أنها رسالة نادرة التطابق بين المثقف وإمبراطوريته، وكأن مثقفي الإمبراطوريات على مر العصور .. متشابهون!.
هكذا سنجد تعريفاً آخر للمثقف في روما الجديدة، حيث لا تكتفي الإمبراطورية بتصدير السلعة وإنما بإنتاج مفاهيم أخلاقية وتعميمها كسلعة -أيضاً- فإما أن تشرب الشعوب هذه (الكوكا كولا) الأخلاقية- على ما فيها من غازات!- أو تغرق في دماء (حرب عادلة)، ثم عليها أن تهضم عشاءها الأخير، وأن تقتنع بكون الضحية ليست هي ذاتها .. في برجين للتجارة وبين مدنيين في أي بلد ليس هو الإمبراطورية أو حتى صورتها، بين يدي جندي إسرائيلي يصير قتله حدثاً إلهياً، بينما لا يعدو الفلسطيني المقتول أن يكون مجرد شيء ما يتحرك على شاشة القناص!.
كل من يتحرك ..يقتل، بحسب معايير الحرب العادلة لإمبراطورية لا تغيب الشمس عن صواريخها الذكية، وفي ظلها تتفيأ إسرائيل!.
أما المبررات، وتلك الإشارات الخجولة عن الهوة التي خلقتها السياسة الأمريكية بين روماها وبين الشعوب، لا تعدو أكثر من (تطهير) يمارسه تكنوقراط (الحرب على الإرهاب ) ومثقفوها، حتى تغدو رسالتهم أخلاقية وبريئة من دم يوسف على قميص العولمة.
المفارقة إن الموقعين على الرسالة خليط من الليبراليين والعلمانيين ويساريي ما بعد الحداثة، بعضهم أسماء خرجت بصدام الحضارات ونهاية التاريخ كهنتنغتون وفوكوياما، بينما أغلبهم تكنوقراطيو العولمة.
وفي بلد امبراطوري لا تتأخر فيه الرسائل الجرثومية عن الوصول إلى عناوينها.. تتأخر رسالة مثقفي روما الجديدة حتى عن الصدور.
ضاعت رسالة أحد سفراء الإمبراطورية البريطانية سبعين عاماً حتى وصلت إلى مبتغاها، وربما ستضيع رسالة المثقفين الأمريكيين على الرغم من ثورة الاتصالات في عالم بحجم فأرة كومبيوتر، وقد لا تصل إلينا، لأنها ليست موجهة لنا، أما عنوانها، فهو: واشنطن- البيت الأبيض – (جورج W.C).
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 171