دردشات
توقيف عرفي حدثني صديق تركي قال:
بعد أحد الانقلابات العسكرية في خمسينات القرن الماضي، فرضت الأحكام العرفية وقانون الطوارئ، اللذان جمدا الأحزاب وألغيا العمل بالدستور والقانون، وأصبح جهازا الشرطة المدنية، والبوليس السري، يتحكمان بالبلاد وبرقاب العباد.
قام حزب معارض ...، بتوزيع نشرات في الأسواق والأحياء، يندد بالطغمة العسكرية الحاكمة التي قمعت الحريات واعتقلت ـ كيفياً ـ سياسيين وصحفيين وأدباء معارضين، وعرضتهم للتعذيب الوحشي، وطالبت بإطلاق سراحهم.
ولفشل البوليس السري المنتشر في كل زاوية من اعتقال أي من موزعي النشرات، قامت الدورية باعتقال أول شخص صادفته فجراً، فتشوه وضربوه وهو بين أيديهم ويردد:
- والله العظيم لم أفعل شيئاً، أنا عامل فرن أذهب إلى العمل فجراً.
اقتادوه إلى بيته، وأرعبوا زوجته وأولاده، فتشوا كل زوايا البيت، مزقوا الفرش، خلطوا البرغل والمونة بالمازوت، فلم يعثروا على دليل إدانة، قيدوه وطرحوه في مؤخرة البيك-آب، يحيطون به من كل جانب.
رئيس الدورية أوعز لهم:
- جهزوه للتحقيق.
انهالت عليه الأيدي والأرجل صفعاً ولكماً وركلاً، وهو يستغيث بكل الأنبياء والرسل، إلى أن رموه في زنزانة ضيقة يعاني الأمرين من آلام جراحه.
وقف أمام طاولة المحقق محطم النفس والجسد، يرتجف من فرعه إلى قدمه، سأله:
- أخبرنا بالحقيقة، أين طبعتم النشرات، ومن جلبها لكم، ومن هم رفاقك في التوزيع؟
محاولات المحقق باءت بالفشل، فسأل أحد عناصر الدورية غامزاً إياه:
- ألم تشترك زوجته في توزيع النشرات؟
- كلا سيدي. . . مو خرج لا تنفع.
أنزلوه إلى القبو وأعادوه والدماء تغطي وجهه، ويسير بصعوبة، شتمه المحقق:
- يا ابن الـ..، أجبني على أسئلتي، وإلا سنجلب زوجتك للتحقيق.
- سيدي لو ذبحتني لا علاقة لي بأحد حتى أذكر لك اسمه.
أسابيع عديدة مرت، والمعتقل ينال التعذيب نفسه، ويجيب الإجابة نفسها، بعد تفكير قال المحقق:
- هذا لايهم، نحن سنكتب الأسماء.
بدأ المحقق يكتب المحضر، فتعاقب العناصر يقترحون عليه:
- اكتب اسم المهرب محمد الذي حميناه وراح يشتغل لحسابه.
- اكتب اسم عصمت صاحب البيت الذي أخليناه من المستأجر بالقوة لكنه دفع لنا نصف مااتفقنا عليه.
- اكتب اسم الحرامي داغلي الذي لم يعد يمر علينا.
- اكتب أسماء التجار والمتعهدين الذين تخلفوا عن . . . . اعترض المحقق:
- لا هؤلاء بين أيدينا. . . غيرهم:
- اكتب اسم عمي جنكيز الذي رفض أن يزوجني ابنته.
- اكتب اسم آدم الذي حققنا له ديناً ميتاً بالقوة ولم يدفع لنا النسبة التي اتفقنا عليها معه.
- اكتب اسم زوج ناريمان جارتنا، التي تشاجرت مع زوجتي وشتمت البوليس السري في الشارع، اعترض أحدهم:
- لاتقتربوا منها. . إنها مدعومة من جهات عليا.
رفع المحقق رأسه، ومد القلم للمعتقل:
- خذ وقع محضر إفادتك التي ستؤكدها في المحكمة. قال المعتقل:
- سيدي لا أعرف اسماً واحداً مما ذكرتم، كيف أتهمهم بالباطل. أنتم ترمونني في نار جهنم حياً. عذابكم ولا عذاب الله.
بعد أن يئس المحقق من إجباره على التوقيع، صاح بغضب:
- أعيدوه إلى القبو مع وجبة دسمة، وسوقوه غداً إلى السجن المركزي، إنه موقوف عرفياً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 285