بعد انتهاء مهرجان دمشق السينمائي الـ (12) الذاكرة لا تحفظ الكثير..

كثير من الخطابة.. قلة في السينما!!..
لم ينف مدير مهرجان السينما في مؤتمره الصحفي الذي عقده قبل بدء المهرجان بأيام قليلة العثرات أو الهنات التي يمكن أن يقع فيها المهرجان، وقال أنه بذل ما بوسعه لتحقيق مهرجان تتكامل فيه العناصر الفنية والإدارية، وهو في محاولته هذه يريد الانتقال بالمهرجان من صيغته الإقليمية التي كانت قائمة مع المهرجان السينمائي طيلة الدورات ال12 السابقة، ليتحول به إلى مهرجان دولي تأتي إليه دول من كل أنحاء العالم لتشارك فيه.

هل تحققت الفوائد المرجوة؟!
وقد عزا السيد محمد الأحمد أصغر مدير مهرجان في العالم هذا التحول إلى عدد من الصعوبات التي كانت تواجه المهرجان عندما كان إقليمياً ويقول أن هناك عدداً من الدول التي تنتمي إلى العالم الثالث والتي كانت تشارك في مهرجان دمشق السينمائي لم تعد تبدي الاهتمام نفسه بمهرجان دمشق السينمائي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن معظم الأفلام التي تصنع في دول العالم الثالث بدأت تشرك جهات إنتاجية خارجية في إنتاجها، مما يؤدي إلى الحاجة لطلب موافقة هذه الجهات الإنتاجية للمشاركة، هذا التحول الذي استغربه الكثير من النقاد والصحافيين بعضهم مبطناً والآخر معلناً. والآن بعد انتهاء مهرجان دمشق السينمائي، هل استطاع المهرجان من خلال هذه القفزة أن يحقق نوعاً من التغيير وهل تحققت الفوائد المرجوة.

البروشور:
بدأت التغييرات الجذرية من الشعار والبروشور اللذين يغلفان المهرجان، فقد جاء الملصق الإعلاني (البروشور) متحرراً من العنوان والشعار (سينما من أجل التقدم والتحرر) الذي بقي ملازماً لدوراته الـ 12 السابقة ليعنون
بـ (السينما تجدد شبابها)، لكن إلى أي مدى ينطبق هذا الشعار على الحالة السينمائية في سورية إذا كان أصغر المخرجين السينمائيين في المؤسسة قد تجاوز الأربعين، وهناك عشرات الشباب الذين ينهون دراساتهم ويقفون أمام أبواب السفارات للحصول على منحة أو قبول لدراسة السينما في أي بلد من بلدان العالم، ثم يعودون مرة أخرى إلى سورية، مكتوفي الأيدي عاجزين عن القيام بأي شيء وربما يكون مصيرهم بان يعملوا مساعدي مخرج في التلفزيون أو ما شابه. إذاً هل يتركز شعار «السينما تجدد شبابها» في أفلام المهرجان فقط، أو في مديره أصغر مدير مهرجان في العالم،نأمل أن يكون هذا العنوان هو عنواناً لمرحلة مقبلة ولا يتوقف عند حدود كونه عنواناً لمهرجان سيمر هكذا.
لعل أفضل ما كان في البروشور هو تحرر الدكتور أحمد معلا من الأشكال التي كان يعمل عليها سابقوه في تصميم البروشور، والأهم التخلص من الشريط السينمائي الذي يوضع كيفما اتفق، كمعبر وحيد عن السينما، فبات هذا الشكل يحمل سذاجة في الطرح. قدم الدكتور معلا تصميماً جديداً من الناحية الفنية لا يخفى أن وراءه أن هناك مختصاً في هذا المجال.

حفل الافتتاح:
في حفل الافتتاح لهذا العام اختير جمال سليمان ليقوم بإخراج حفل الافتتاح بعد تجربة متميزة كان قدمها قبل بضع سنوات، وكان جمال سليمان قد اتبع في هذه المرة أسلوبية وشكلاً جديداً ومختلفاً عما قام به سابقاً، فقدم (اسكتشاً) غنائياً للحفل من تأليف ريم حنا، مبتعداً قدر الإمكان عن الأشكال التقليدية التي قدمت، ومن خلال إمكانيات الفضاء المتاح أمامه، فابتعد عن المجاميع الكبيرة على المسرح، والتي تحدث ضجيجاً بصرياً، فكان العمل قطعة مسرحية غنائية قصيرة ذات طابع هزلي تاركاً مساحة للارتجال داخلها.
إن جميع من عمل على خشبة مسرح قصر المؤتمرات وجد أن حركته مقيدة أمام المساحة الواسعة الموجودة في قصر المؤتمرات، وقد كانت أسلوبية عمل سليمان على المسرح تشكل تحدياً للتغلب على هذا الفراغ، لكن الأمر لم يكن بهذه السهولة، مما أدى إلى ضياع كثير من التشكيلات البصرية التي رسمها، في مساحة أقرب إلى ملعب كرة سلة، وغير مجهزة بشكل كامل لمثل هذا النوع من العروض. قدمت بعد ذلك فرقة إنانا للفنون الشعبية والباليه مقتطفات من عرضها القديم (هواجس الشام) وبما أنها قدمت كلوحات راقصة بمعزل عن العنصر الدرامي الذي توضع فيه، جعلها تبدو أكثر جمالاً دون استبعاد مشكلة المكان.
بعد ذلك عدنا إلى الملل، فبعد عمل استطاع من خلاله جمال سليمان أن يكسر بعض الشيء من روتين التكرار، أخذت الإطالة تدخل في برنامج الحفل، من خلال دخول وخروج ممثلين ليقدموا ممثلين، خروج ودخول جعلت الكثيرين يتململون، من المضافة التي فتحت والمجاملات.

مهرجان دولي لأول مرة:
تميزت دورة هذا العام بغزارة في الأفلام، فعوضاً عن 70 فيلماً كانت تعرض في السنوات السابقة قدم في هذه الدورة ما يقارب الـ 200 فيلماً بين روائي طويل وقصير، وتوزعت في اتجاهين، الأول المسابقة الرسمية التي ضمت عدداً كبيراً من الأفلام القادمة من بلدان مختلفة في العالم، ولا بد أن نشير هنا إلى المادة المقدمة في بعض الأفلام، فقد سبق وأشار السيد الأحمد في مؤتمره الصحفي إلى أن الأفلام لن تتعرض لقص أو حذف من مشاهدها، للحفاظ على الجودة الفنية للفيلم، فإما أن يبقى الفيلم أو يستبعد نهائياً إن كان غير قابلٍ للعرض رقابياً، لكن الملاحظ أن هناك عدداً من هذه الأفلام ومنها ما هو سوري قد أعملت فيه مقصات الرقابة، الأمر الذي من شأنه أن يمس في جودة بعض هذه الأفلام أو حتى جماليتها، وفي حالة أخرى أن يضيع لقطات مهمة تصب في مقولة الفيلم أو موضوعته.
بالرغم من ذلك فإن السمة العامة للأفلام التي عرضت داخل المسابقة الرسمية هي الجودة، بالنسبة لمهرجان يخطو خطواته الأولى ليتم الاعتراف به كمهرجان دولي.
الاتجاه الثاني الذي صبت فيه الأفلام كان التظاهرات التي رافقت المسابقة الرسمية وهي تظاهرات كانت سمتها الأساسية التنوع، وقد ساهم في إغناء حركة المهرجان، وإعطاء فرصة أكبر للمشاهد في الاختيار، إلاّ أن المشكلة حصلت في أن هناك بعض التظاهرات غطت على غيرها، وبالأخص تظاهرة السوق الدولي والتي كانت تحتوي عدداً من الأفلام التجارية من دون أن تنجر إلى الإسفاف، فقد اعتني في اختيار هذه الأفلام، وتأتي في الدرجة الثانية تظاهرة السينما الأمريكية المستقلة، فقد سيطرت أفلام هاتين التظاهرتين إلى جانب أفلام المسابقة الرسمية، فتقلص جمهور التظاهرات الأخرى على حسابها، بالرغم من الأهمية الكبيرة لبعض من هذه التظاهرات.

حركة الصحافة:
بينما كان المهرجان يجري على قدم وساق، أسرت الزميلة ديانا جبور على صفحات جريدة الثورة أن هناك تقصيراً ملحوظاً من الصحفيين الموفدين لتغطية المهرجان. وهذا أمر كان أكثر من واضح، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد. فالمتابع لنشرة المهرجان يشاهد مادة لا تختلف في شكلها وأسلوبيتها عن أي من المواد التي تكتب في الصحف اليومية، مع العلم أن المادة الموجهة إلى جمهور المهرجان يجب أن تحمل خطاباً من نوع آخر، وشكلاً فنياً يحتوي هذه المادة. وهو سبب من الأسباب التي أدت إلى فراغ عدد من الصالات من المشاهدين، ولا يقع اللوم عليهم، فالمادة المقدمة عن التظاهرات الثقافية لم تكن قط بالشكل المطلوب، فكانت المادة المكتوبة تقدم بشكل مغرق في البحث أو متكلف في الطرح بشكل إخباري، دون دراسة لنوعية الجمهور الذي يجب أن تصل إليه المعلومة، إخبارية كانت أم تحليلية.
يضاف إلى ذلك الحملة الإعلانية، فقد تم توظيف الإعلان بالكامل عن المهرجان. وهنا مشكلة، فعندما تريد أي جهة معلنة أن تقدم ما لديها، فلن تعلن عن نفسها بالقدر الذي ستعلن فيه عن المنتج أو ما تريد تقديمه، وبشكل أكثر وضوحاً، فإن المتابع للمهرجانات العالمية، يلاحظ أن أغلب إعلانات هذه المهرجانات تصب في خانة الأفلام المعروضة، وتسوق هذا الأفلام تحت شعار المهرجان الأمر الذي يساعد المتلقي على توجيه بوصلته السينمائية.
مع انتهاء المهرجان ومرور الأيام فإن الذاكرة لا تحفظ الكثير، وتقع مهمة التذكير بالجوانب الإيجابية والسلبية في المهرجان على عاتق الصحافة أولاً، وانطلاقاً من تقييم موضوعي للمهرجان فإننا لن نقوم بذكر الإيجابيات بمعزل عن السلبيات، فقد كانت هناك محاولة جادة للخروج بالمهرجان بشكل مقبول، إلاّ أن هذه المحاولة إن لم تتوج باستكمال لمجموعة من النواقص، ووضع المهرجان ضمن حالة سينمائية صحية بمعناها الأشمل فلن يكون للمهرجان أي معنى وسيمر كأي مهرجان خطابي في ساحة عامة دون أن يبني شيئاً لتطوير حركة الثقافة في بلدنا.

معلومات إضافية

العدد رقم:
163