مكة التدمرية كما بناها ناصر جليلي!!

مكة التي نتحدّث عنها هي مكة أخرى بنيت خصيصاً لتكون موقع تصوير رئيسي في المسلسل الديني «صدق وعده» الذي يقوم بإخراجه محمد عزيزية، والذي يتناول المرحلة الأولى من الدعوة الإسلامية. طبعاً هناك في المسلسل لوكيشنات مبهرة، قام بتصميمها الفلسطيني ناصر جليلي، ولعل من أبدعها «بلوك» مكة الذي كان هذا الحديث مخصصّاً له.

حين دخلنا مكة بصحبة مصممها استعاد البال أغنية أم كلثوم: «مكة وفيها جبال النور/ طالة على البيت المعمور/ دخلنا باب السلام/ غمر قلوبنا السلام».. وقفنا على محور «البوابة اليمنيّة» حين بدأ جليلي حديثه بالقول: «اعتمدتُ كثيراً على الوثيقة في هذا البناء، وراعيت دقّة مواقع الشخصيات، فبيت أبي سفيان، مثلاً، على الزاوية الشامية. وهي المرة الأولى التي تبنى فيها مكة بطريقة دقيقة ومدروسة، من حيث مراعاة مخططها وطرازها المعماري، وكذلك مراحل تطورها».
الكعبة التي يقول أقدم وصف تاريخي لها: «إنها كانت بناءً مربعاً بسيطاً، وفي وسطه ساحة شبه مربعة، والحجارة موضوعة دون مادة تمسك البناء، ولا يزيد ارتفاعها عن ارتفاع قامة الإنسان، كما أنه لا سقف لها».. الكعبة هذه مرت بمراحل كثيرة قبل أن تصل إلى ما هي عليه الآن، وحسب تصميم ناصر جليلي تبدو صغير جداً بالقياس للحجم الذي ظهرت عليه في أعمال سينمائية وتلفزيونية، يقول: «سوف ترتفع الكعبة حوالي مترٍ إضافي، لكن من حيث الطول والعرض فهذا هو حجمها». يعرض المصمم المشاكل التي واجهت عمله بين الوثيقة التاريخية والضرورة الفنية، حيث يؤكّد المؤرخون أن بيوت هذه المدينة كانت مدوّرة لأنه لا يمكن لبيت إنسان أن يتشبّه بـ«بيت الله»، لكنّ زهير بن كعب الذي كان أول من كسر القاعدة وبنى بيتاً مستطيلاً، جعله يختار هذا الشكل، دون أن تكون هناك ضرورة للخوض في مجريات هذا الخيار.. وهنا يسهب في الشرح: «لدينا ثلاثة عشر بيتاً لشخصيات رئيسية، سيتم التصوير فيها، منها بيتا أبي سفيان وأبي جهل ودار الندوة، والحانة.. كما سوف نصمّم أربعين صنماً، ونحدّد منطقة الحرم بحجارة، كما كانت في السابق، وهي الآن محدّدة بقناطر.. الحرم مكان يمنع الدخول إليه إلا لغرض العبادة.. وسوف ننقل الأصنام إلى داخل الكعبة، علماً أن الحريق في تلك الفترة لم يبق منها شيئاً، باستثناء صورة للسيد المسيح هي الوحيدة التي نجت بين لوحات مسيحية أخرى، وهذا الموضوع إذ يتطرّق له المسلسل فإنما يحدث هذا للمرة الأولى».. كل ما يسوقه جليلي متفق عليه في المراجع التاريخية، خصوصاً كتاب «المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام» للمؤرخ البارز جواد علي الذي اعتمد عليه اكبر اعتماد، كما ستتطور عمارة المدينة مع مرور الوقت اللازم في سياق زمن الأحداث، لتصل بيوت مكة إلى بناء طابقي، كما كانت في تلك الآونة.
صورة مكة التي يقدمها مصمم ديكورات «التغريبة الفلسطينية» ستكون مفاجئة للمشاهدين، لأن مرجعيتهم البصرية هي أعمال فنية على رأسها فيلم «الرسالة» الذي قدّم الكعبة زمن الدعوة بحجم يساوي حجمها الحالي وهو أمر يفتقر كلياً إلى الدقّة، وإذا كان المشاهدون سيفاجؤون فليفاجؤوا، جليلي لاقى حالة شبيهة في «التغريبة» يوم اعتبره البعض قد عبث ببيوت الفلسطينيين الأولى قبل التهجير.. مع ذلك هو لا يبالي، بل يقول: «فليكن التفاجؤ دعوة للناس إلى القراءة والتدقيق».

معلومات إضافية

العدد رقم:
410
آخر تعديل على الجمعة, 02 كانون1/ديسمبر 2016 04:34