ريم كيلاني.. اليرغول إلى جوار البيانو

زارت الفنانة الفلسطينية ريم كيلاني سورية مؤخراً حيث أحيت حفلة في مدينة جبلة الساحلية ضمن فعاليات «مهرجان جبلة الثقافي الخامس».. وكيلاني من التجارب الغنائية الفلسطينية الغنية، وصفتها الصحافة البريطانية بأنها «السفيرة غير الرسمية للثقافة الفلسطينية».

ولدت ريم كيلاني في مدينة «مانشيستر» البريطانية لأبوين فلسطينيين مغتربين، ونشأت في الكويت ثم عادت في مرحلة لاحقة إلى بريطانيا، وكان لهذه النشأة في بلدان متعددة أثرها على نتاجها الفني والموسيقي فيما بعد، إذ تصر على تعريف نفسها بأنها من الناحية الموسيقية (مواطنة تنتمي إلى العالم أجمع).
اكتشفت ريم موهبتها الغنائية للمرة الأولى وهي في الرابعة من عمرها حين غنت أمام الجمهور الذي تفاعل مع أدائها بتأثر بالغ، وتأثرت في تلك الفترة من حياتها بشكل كبير بأغاني السيدة فيروز، وبموسيقى الجاز الغربية، التي كان والدها أحد هواتها.
ولكن بداية علاقتها مع أغاني التراث الفلسطيني بدأت في السبعينيات، حين اصطحبتها أسرتها لحضور عرس في منطقة الجليل بفلسطين المحتلة، حيث أبدت ريم اهتماماً كبيراً بأغاني ذلك العرس، مما دفعها للبحث في كافة أشكال الغناء التراثي الفلسطيني، وهو ما بدأته بمشروع طموح لدى عودتها إلى بريطانيا في عام (1989م) حيث أمضت عامين (1990-1992) في تصميم الأزياء الشعبية الفلسطينية للمتحف البريطاني، ثم شرعت في جمع الأغاني التراثية الفلسطينية وتسجيلها عبر حوارات مع اللاجئات الفلسطينيات في مخيمات لبنان، وفي مدينة أمها «الناصرة».

كما افتتحت الكيلاني العديد من الورش الفنية في المدارس البريطانية لتعليم الموسيقى الفلسطينية والعربية، إضافة إلى تقديمها لبرنامج موسيقي في هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) عن التراث الموسيقي للأقليات المهاجرة في المجتمع البريطاني، كالأفغانية والأرمينية واليمنية والكردية وغيرها.
وعلى مدى 15 عاماً قامت كيلاني بعدد من الجولات الغنائية في أوروبا والولايات المتحدة والشرق الأوسط، كانت خلالها صوت التراث الفلسطيني إلى العالم.
في عام 2006 أصدرت ريم ألبومها العربي الأول، بعد الكثير من الأغاني التي أدتها بالانكليزية مثل (القصيدة الضائعة)، حمل اسم«الغزلان النافرة» والذي حوى خلاصة بحثها في التراث الغنائي الفلسطيني، ومحاولاتها لتطويره، وشمل الألبوم 10 أغنيات، منها أغانٍ تراثية فلسطينية أغلبها من منطقة الجليل هي: قطعن النصراويات، عذب الجمال قلبي (وضعت لها ريم كلمات جديدة)، الحمد لله (تبدها بشكل زغرودة نسائية، حبل الغوى التراثية المعروفة، وريم الغزلان، طلعة المحمل. والبقية قصائد لشعراء فلسطينيين وعرب من أمثال: «نشيد العودة» لسلمى الخضراء الجيوسي، «يافا» كلمات محمود سليم الحوت، «موال» للعظيم محمود درويش، و«خواطر وأصداء» كلمات الراحل راشد حسين، حيث قامت ريم بتلحينها وتوزيعها.
وأول ما يلفت نظر المستمع في هذا الألبوم، هو ذلك المزج المدهش والفريد بين كلمات الأغاني التراثية الفلسطينية المغرقة في محليتها، وبين موسيقى الجاز الغربية، وتلك هي الإضافة الحقيقية التي قدمتها ريم في هذا الألبوم، حيث إنها لا تعتمد على عدد كبير من الآلات الموسيقية، إذ ترافق ريم مجموعة من العازفين القادمين من جنسيات وخلفيات موسيقية متنوعة مثل البريطانيين زوي رحمن (بيانو)، وإدريس رحمن (كلارينت)، وسامي بيشاي (كمان)، وكل من باتريك الينجورث و الإيراني فاريبوز كياني (إيقاع)، بالإضافة إلى آلتين عربيتين هما اليرغول والناي، ويعزف عليهما كل من ديرك كامبيل وتيجران أليكسانيان.
عندما تسمع عبارة أغان تراثية مع موسيقى الجاز قد ينتابك للوهلة الأولى التوجس والخوف من التشويه أو تغريب الأفكار العبثي، ولكن عندما تتطلع على هذا العمل ستصاب بالذهول والحبور. فريم عندما تصدت لمشروعها هذا، إنما فعلت ذلك عن خبرة ودراية، فهي قد درست الموسيقا علمياً، وهي عازفة بيانو متمكنة، ودرست التراث الغنائي الشعبي الفلسطيني دراسة وافية، وتعاملت معه بشكل علمي مدروس. فالآلات الغربية استخدمت بشكل علمي وأدت الألحان الشعبية بشكل صحيح، وقامت ريم بتوزيعها موسيقياً بما يناسب هذه الآلات.
إن تجربة كيلاني هي نوع من جواب حضاري وفني على الوحشية الإسرائيلية، وقفزة أتت أكلها في سبيل مواجهة السرقة الصهيونية للتراث الفلسطيني وتشويهه. فالكثير من الأغاني التراثية قد سرقت ألحانها ليركب عليه كلمات عبرية وتقدم للعالم على انه تراث يهودي.
والأهم كما قال عنها الناقد البريطاني روجر فان شايك في جريدة «أوكسفورد تايمز»: «إن موسيقاها تؤكد على الحق في الوجود والحياة».

معلومات إضافية

العدد رقم:
414