ربما ..! في حضرة الغياب
«في الرحيل الكبير أحبّك أكثر»... هذه الجملة الشاردة في إحدى قصائد محمود درويش تصلح تميمةً لمحبيه في الذكرى السنوية الأولى لرحيله الكبير.
لكن الذكرى نفسها لا تعدو كونها مناسبة وحسب، لأنه حاضر وراسخ بما يجعل من هذه الذكرى، الآن ولاحقاً، فرصة للبحث في دروس صاحب «لماذا تركت الحصان وحيداً» أكثر مما هي فسحة للتباكي والرثاء. أول الدروس الدرويشية تتجلى في عمله الاستثنائي على توسيع وتطوير مفهوم التزام، وذلك عبر النقلات النوعية التي أخذ بها قضية فلسطين إلى مستوى ملحمي، يحمل أسئلة فلسفية تخصّ الحق والعدالة والحياة. الدرس الثاني يأتي من فنيات الكتابة الشعرية نفسها، من قدرته على تطويع البلاغة، والحفر العميق في جماليات العربية، وفي دأبه المحموم على فكرة «الديوان» حيث جعل من كل كتاب جديد بحثاً ثقافياً بالشعر.
بين كتابات الذكرى السنوية الأولى ثمة دعوة لقراءة هذا المنجز بوصفة شعراً، شعراً وحسب، دون أي ارتباط آخر. المثير للاستهجان في هذه الدعوة، رغم صدورها عن قلم رفيع، أنها تنفي الشعر من أساسه، فما الذي سيبقى من درويش دون قضيته الوطنية التي كتب فيها قصائد خالدة؟ وماذا سيكون دون تمثيله صوت المستضعفين في العصر الذي أبكمتهم القوة؟ صحيح أن تحولات الكتابة كانت تقوده إلى بدايات تلو البدايات، دون أن تكون البداية الجديدة جَبّاً لما قبلها، بل إضافة. وإن كان الشاعر قد وصل إلى صوت فردي صافٍ في أعماله الأخيرة، فما هذا الصوت إلا تتويج لتماهي الفردي بالجماعي في قصيدة الذات، لكنها ليس ذاتاً متوحّدة، إنما هي ذات تضج بالآخرين وترن بأصوات الحياة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 416