المجلات الأدبية.. وعلاقتها مع الجيل الجديد

ككل شيء في طور التكوين استفادت مجموعة من الشباب الذين ظهروا في الستينات والسبعينات من القرن الماضي من نضارة وخصوبة تلك المرحلة التي كانت تحمل الكثير من الوسائل التي تساعد على خلق رموز في الكثير من المجالات الإبداعية بدءاً بالمنابر الكثيرة التي كانت تساعد على البروز والخروج في مجتمع بطور التكوين .. البعض كانت له ارتباطات ثقافية أيديولوجية والبعض الآخر كان متحرراً منها، لكن الأمر الواضح والجلي هو قدرة مجموعة من الشباب على البروز والظهور، ومع عامل الزمن والتراكم استطاع بعضهم أن يثبت نفسه كرمز ثقافي وأدبي.

ومن أكثر الوسائل الناجعة لتحقيق هذا الانتشار كانت المجلات الأدبية الكثيرة التي ظهرت في تلك الفترة، والتي تنوعت اهتماماتها واتجاهاتها، إذ استطاعت إبراز الكثير من الأسماء وتثبيتها كهامات ورموز إبداعية وثقافية.

 الفراغ.. والرموز القديمة
هذه الأيام مازلنا نرى عدداً كبيراً من المجلات الثقافية متواجدة على الساحة، وعلى الرغم من ذلك فهناك فراغ في دائرة الشباب، ونادراً ما نرى أسماءً جديدة استطاعت أن تثبت نفسها. فهل المجلات أو الصحافة الأدبية ما زالت قادرة على إبراز وصنع رموز أدبية لملء الفراغ الذي قد يحصل نتيجة غياب الرموز قديمة.

فقدان الثقة
* إن شريحة واسعة من الشباب فقدت ثقتها بهذه المجلات وأصبحت ترى أن إعادة هذه العلاقة يتطلب الكثير. فبسام الطويل، وهو شاب يدرس في المعهد العالي للفنون المسرحية، يرى أن دور هذه المطبوعات الثقافية قد تقلص كمنتج ثقافي بشكل عام، ويفصل مجموعة الأسباب التي أدت إلى ذلك، أولاً شكل هذه المطبوعات التي تشبه الكتب وتقدم المادة بشكل جامد بعيداً عن الأشكال والأساليب المتطورة التي أخذنا نراها في الصحافة العالمية، كما يرى بسام أن هذه المطبوعات صادرة عن مؤسسات حكومية، فانعكست الحالة الرسمية على توجهات هذه المطبوعات الحكومية، وبالتالي فإن كان توجهها تابعاً لهذه المؤسسات ويأتي سياسياً بالدرجة الأولى قبل التوجه الثقافي. ونستطيع أن نكشف ذلك من خلال العناوين المطروحة بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى تكرار أسماء هيئة التحرير وكل الذين يكتبون في هذه المجلة أو تلك منذ ما يزيد عن عشرين عاماً في بعض المجلات، يضاف إلى ذلك تقنيات الطباعة التي تنتمي إلى عصر النهضة.
* أما فؤاد حسن فيضيف هنا وهو طالب في المعهد نفسه لنأخذ مجموعة المجلات التي تصدرها وزارة الثقافة والمعنونة بـ «الحياة» من الناحية الفنية جميعها تطبع في المطابع ذاتها، والشكل الفني والإخراجي للمادة المطبوعة لا يختلف إلاّ إذا قارنا بين العناوين. ويضيف فؤاد أن 50 إلى 70 % من كوادر هذه المجلات كان قائماً على عدد كبير من الرموز الثقافية والأدبية وكان معهم مجموعة من الأشخاص الذين يساعدونهم، مع غياب الرموز الأساسية التي صنعت هذه المجلات والصحف وقامت عليها تعطل هذا المنتج، مما أدى إلى وصول أشخاص بحكم القدم إلى مناصب داخل هذه المجلة أو تلك، فانخفض مستواها إلى درجة لا تصدق وبعض هذه النماذج لا يزال قائماً حتى الآن ويتابع الصدور بحكم العادة .
* ربيع طالب في كلية الآداب، يرى بأنه لا مكان للشباب داخل هذه المجلات، وإذا حاول أحدهم أن يدخلها فيجب أن يكون قد خرج من معطف الأشخاص القيمين أصلاً على هذه المطبوعة أو تلك.
* يعود بسام فيقول: كثيراً ما نسمع بأن هم هذه المؤسسات لا ينحصر في الربح المادي. لكنني لا أستطيع أن أقوم بهذا الشكل. فالعملية كلها متشابكة، والربح بعيداً عن قيمته المادية مؤشر حقيقي إلى مدى انتشار وتواصل هذه المطبوعة أو تلك مع الناس التي تتوجه إليهم، فلابد أن يؤخذ ذلك بعين الاعتبار.
* مجموعة أخرى من الشباب التقيت بهم في مكتبة الأسد، من مجموعة من الكليات منهم تخرج ومنهم ما زال يدرس يرون الأمر بشكل آخر فعلاقتهم مع الثقافة لم تكن قط من خلال هذه المجلات، فرامي وعمار لا يعرفان الكثير عن هذه المجلات ولم تجذب أنظارهم أبداً، في الوقت الذي يقول عمر، وهو طالب هندسة، أنه يبحث عن بعض هذه المجلات القديمة لدى باعة الكتب تحت جسر الرئيس وهي لا تزال حتى الآن تقدم له الكثير أما الجديدة منها فقد أصبحت نسخاً مشوهة عما كانت تقدمه في الستينات والسبعينات، ولن يحاول أن يشتري عدداً بل سيكتفي بتصفحها، ويضيف عمر: أنا لست مرتبطاً بأجواء الثقافة عموماً لكنني أحب أن أتابع ما يجري على الساحة الثقافية. يضيف عمر: أستطيع من خلال مقاربة حجم المجلات الصادرة عن وزارة الثقافة سابقاً ومحتواها أن أعطيك أدلة على تراجع مستواها الثقافي والفني الآن.
* في الوقت نفسه فإن الكثير من الشباب الذين يكتبون الشعر أو القصة أو غيرها من الأجناس أو الدراسة الأدبية لن يحاولوا أن ينشروا في هذه المجلات، منهم من يخاف الاقتراب، ومنهم من ليس لديه ثقة بها. فمحمد حيدر خريج قسم الدراسات المسرحية يقول لقد الغي دور هذه المجلات تماماً، وأصبح هناك أشخاص معينون مسؤولون عن هذه المجلات والكثير منهم تقوقع على نفسه أو تحول إلى مافيا، هذه الأسماء أصبحت القيِّمة على الثقافة الأدبية القديمة المتحفية. لم يحاول محمد حيدر أن ينشر في هذه المجلات الأدبية، وعلق أخيراً على قضية غياب البديل وعدم خلق بدلاء على قدر من الكفاءة ليحلوا مكان من يغيب؛ أما الفارس الذهبي فيبرر ابتعاده عن هذه المجلات بأن كلا منها ارتبط منذ وجودها بهدف معين، وأرادت أن تبرز شكلاً معيناً من الشباب، ويرى فارس أن الأمر لا يتوقف على الصحافة الأدبية التابعة لمؤسسات الدولة بل يمكننا أن نسحب الأمر على صحافة الأحزاب والتوجهات السياسية التي ظهرت في الستينات والسبعينات، وخلقت رموزاً معينة وفق معاييرها وفهمها وسوقت لهم من خلال مطبوعاتها لذا فقدت المصداقية مما أدى إلى نفور الشباب منها. ولم تكن الممثل الحقيقي لنبض الشباب بل أصبحت تمثل الشباب الذين يذهبون إلى تلك المؤسسات بذلك القصد والتوجه. ولا يعتقد فارس بإمكانية التغيير في هذه المؤسسات ويرى أنها فقدت مصداقيتها تماماً ويجب أن يعاد بناؤها من جديد1.
* ولا ينفي القيمون على الصحافة الأدبية أو الثقافية تراجع أداء هذه المجلات، فيرى خليل صويلح رئيس القسم الثقافي في مجلة الأسبوعي الصادرة عن مؤسسة تشرين أن تراجع دور هذه المجلات أمر مؤكد، وهو ليس قصوراً من هذه المجلات وحدها، بل لغياب المشروع الثقافي العربي عموماً، فالمجلة الثقافية هي حامل لمشروع، وحين تفتقد مثل هذا المشروع، تتحول إلى مجرد ورق مطبوع، تتخلله بعض الإضاءات الفردية والصرخات المتفرقة.
* ويذكر خليل صويلح بالدور الهام الذي لعبته المجلات الأدبية في الستينات ويقول: إن مجلة الآداب التي كانت مشروعاً للحداثة العربية في الستينات والسبعينات، هي رمز للكلاسيكية الأدبية، لذا تراجع دورها في إبراز التيارات الأدبية الجديدة، ولم تعد المجال الحيوي للأصوات الطالعة في العقدين الأخيرين، والأمر ذاته تتحمل وزره المجلات الأخرى.
* فيما يبدو أن عبد القادر الحصني رئيس تحرير الأسبوع الأدبي أكثر تفاؤلاً تجاه المجلات الأدبية وتوجهاتها لكنه لا ينفي تراجع دورها بشكل عام في نفس الوقت يربطه بمجموعة من المسببات التي أدت إلى هذا التراجع، يقول عبد القادر الحصني إن القضية مرتبطة بالكم والانتشار الذي كانت تحققه هذه المجلات ففي الستينات والسبعينات كان عدد هذه المجلات كبيراً وعدد الذين يكتبون فيها قليلاً فكان الكم يقف إلى جانب النوعية، ذلك بالإضافة إلى الانتشار الذي كانت تحققه هذه المجلات في الوطن العربي وضمن هذه المعادلة كانت الأمور أسهل، ولكن بالنظر إلى الوضع الحالي فأظن أن على الكاتب أو الأديب أن يبذل مجهوداً أكبر ليحقق ما كان يتطلب وقتاً أقل لكن الدور الذي تقوم به هذه المجلات مازال قائماً، ولا يمكننا أن ننفي هذا الدور الذي تلعبه هذه المجلات.
* واتفق كل من خليل صويلح وعبد القادر الحصني على سطوة الثقافة البصرية على العالم عموماً، والتي ساهمت في تبديد دور المطبوعة المقروءة، بدليل أن ظهور شاعر على شاشة فضائية لمدة ثلاث دقائق، يحقق له شهرة تتجاوز كل أعماله المطبوعة في الكتب.
* ويضيف خليل صويلح بأن ثقافة التلفزيون هي ثقافة الخفة والمسح، بمعنى صورة تلغي صورة، أي أنها بلا ذاكرة، وهو ما أبعد الأدب عموماً عن الحضور في وجدان المتلقي.هكذا نجد أن وجود المجلة الثقافية، يتعلق بوجود تيار أدبي مواكب، وهو ما نفتقده اليوم، في ظل الهيمنة الفردية على كل نواحي الحياة، وغياب الذائقة في المشهد الإبداعي.
* بينما يعيد عبد القادر حصني تأكيده على دور هذه المجلات لكن مع تفعيل دورها بشكل أكبر،واتفاق ضمني بحاجة هذه المجلات إلى روافد جديدة وتغييرات لتطوير هذه المجلات.
* باعتراف مضمر من بعض الجهات وتصريح من شريحة واسعة من الشباب بتراجع دور هذه المجلات، وإشارات إلى تهدل الوضع الثقافي أو المشهد الثقافي -كما يحب أن يسميه البعض - نجد أنفسنا أمام أزمة كبيرة تتعلق بإيجاد بدائل، وتحقيق معادلة جديدة، لن يكون الحل بإخفاء الوضع القائم أو التستر عليه بل بالتعامل مع مشكلة قائمة، مع مجموعة من الأسباب التي يجب وضع اليد عليها أكثر ودراستها علمياً وفقاً للمتغيرات ومعالجتها، مع الأخذ بالحسبان دور الشباب الذين يحاولون أن يصارعوا داخل هذه المؤسسات للتوصل إلى صيغ جديدة وأشكال جديدة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
167