هل القطاع الخاص يكرم الفن أم العكس: ماجدة الرومي والقطاع الخاص.. من يدعم من؟؟؟

يأتي حفل ماجدة الرومي في دار الأسد للثقافة والفنون برعاية شركة سورية خاصة للهواتف المحمولة، كتتويج لحركة تقوم على دعم الثقافة من قبل القطاع الخاص، يأتي هذا الدعم خجولاً ومبنياً على الارتباط الوثيق بين رؤية الشركة الداعمة أو الممولة لهذه الفعالية والفعالية بعينها، فلم تقم أي من الجهات الممولة أو الداعمة بدعم أي مشروع ثقافي حقيقي ومتكامل.

بل انحصرت وبالحدود الدنيا بدعم حفل فني هنا، أو تكريم لبعض الممثلين هناك، وإلى ما ذلك من فعاليات «الكوكتيلاتش والعشاءات الفنية الساهرة، مع الكثير من الإعلام، والإعلان، حتى يخال المرء أن هذه الجهة الداعمة أو الممولة ستخرج الزير من البير.. وبذلك تضمن الجهة الممولة التعرف على أكبر طيف من الفاعلين في الحقول «الفنية»، وتحفظ «بريستيجها» الاجتماعي الخاص. مبتعدة عن الخوض في نقاشات ثقافية حقيقية، ومبتعدة عن أي مشروع ثقافي حقيقي يستشرف المستقبل.

 فتبعاً للإعلان، «الإعلام»، وإعلاميي الصفحات الأخيرة، المملوكين من نفس الشركات، والتسويق الذي تملكه نفس الجهات، والحضور الذي جاء من قبل هذه الجهات الخاصة، تتحول الفعالية التي قامت بها الجهة الخاصة إلى حدث ثقافي.

يتسم شكل الدعم الذي يمنحه القطاع الخاص للجهات الثقافية التي تتعامل معه، بالهبة أو المنحة. فيأتي اسم المنتج أو الشركة الداعمة أكبر من اسم الفعالية كشرط كي تقبل هذه الهبة، ويتم التعامل مع الفعالية في بعض الأحيان بفوقية، ويتم تبجيل وذكر الجهة الممولة لأكثر من مرة، وكأن الدعم الممنوح تسول، وليس من «مال الشعب يا أيها الممولون». فهذه الأموال التي تغدق يمنة وشمالاً في دعم مشاريع أخرى تجارية، لا يسيل منها إلى القطاع الثقافي إلاّ النزر اليسير. وبالرغم من ذلك فإنها تستعرض في هذا القطاع قدراتها أكثر من أي شكل آخر، وكأن الجهة الخاصة هي التي تكرم الثقافة والفن بتعاملها معه لا العكس. مع العلم أن هذا الشكل من الدعم في الدول الأقرب إلينا كلبنان والأردن يقدم بطريقة أكثر رقياً، فالدعم غير مشروط ويوضع في تطوير مشروع ثقافي متكامل وحقيقي دون انتظار رد الجميل، أما في أوربا، فتقوم الكثير من الشركات الخاصة بضخ الأموال في القطاعات الثقافية، للتطوير لا للتجميل. وإن كان القصد في بعض الأحيان تبييض الأموال.. إلى جانب الفن والثقافة. إلاّ أنها بجميع الأحوال تقدم الأموال شاكرة.

يتزامن الدعم «الثقافي» القادم من القطاع الخاص، مع تراجع كبير في الحركة الثقافية في سورية عموماً، وتراجع الدعم المادي من الدولة لهذا القطاع، ابتدءاً بالوزارة الراعية للثقافة وصولاً إلى مديرياتها. فميزانية مديرية المسارح من سيء إلى أسوأ تتراجع في كل عام وترزح تحت ثقل آلاف الأوراق الروتينية والبيرقراطية، والفنانون يتحولون داخل دوائرها إلى موظفين. ولم يستطع أحد إلى الآن الخروج بها من زمن «العصمنلي»، ولم تقدم خلال فترة طويلة أعمالاً مسرحيةً تستحق المشاهدة، والمؤسسة العامة للسينما لا تزال تعمل في الحدود الدنيا، وتغدق الأموال والرواتب على موظفين وهميين أو غائبين، والموسيقى بدأت أحوالها بالتراجع بعد المكاسب الكبيرة التي حققتها بعد تعب وجهد الموسيقيين الأوائل. هنا جاء حفل ماجدة الرومي، بعد انقطاع لما يزيد عن 13 عاماً، ابتهج الجمهور السوري، فبعد هذه القطيعة ارتفعت الآمال بحضور حفل فنانة ابتعدت عن سورية لوقت طويل، وبدأت الآلة الإعلامية تعمل على تسويق هذا الحفل، فلم تخل صحيفة من خبر عنه، وبدأ الشارع يغلي بحثاً عن كوة أو منفذ يشتري منه البطاقات، ونشأت سوق سوداء لبطاقات وهمية، وارتفعت أسعار البطاقات، دون أي نتيجة، وذلك ببساطة لأن البطاقات موزعة سلفاً لهذه الحفلة ومجاناً. والأسماء تم تفريقها مسبقاً على المقاعد، والمقاعد توزعت على عدد من المسؤولين والوزراء وكبار التجار، وأفراد من الإعلاميين آنفي الذكر. فهؤلاء وفقط هؤلاء يحق لهم أن يحضروا هذه حفلة لفنانة جماهيرية كماجدة الرومي، وهو ما سيتكرر كثيراً فيما بعد مع فنانين عالمين، النخبة /حسب تصنيفاتهم / ستحضر هذه الحفلات أما الشعب في الشارع، فلينعم بمديريات المسارح والسينما، ولينم قرير العين.

 

■ عمر وسواح

معلومات إضافية

العدد رقم:
226