مايكل مور في فيلمه الجديد «فهرنهايت 9/11»

تجاوز عدد مشاهدي فهرنهايت 9/11 في عطلة نهاية الأسبوع عدد مشاهدي فيلم «لعبة بولينغ من أجل كولومبين» في تسعة أشهر. وحطّم فيلم فهرنهايت 9/11 الرقم القياسي لفيلم «روكي 3» في مكتب إحصاء الحجوزات: إذ حاز على أكبر عددٍ من المشاهدين في أول عطلة نهاية أسبوع كفيلمٍ يعرض في أقلّ من 1000 صالة. وهزم فهرنهايت 9/11 في أول عطلة نهاية أسبوع فيلم: «عودة جيدي».

وعلى الفور، حاز فهرنهايت 9/11 على المرتبة الثانية في التاريخ من حيث معدّل الدخول إلى الصالات لفيلمٍ يعرض على الصعيد الوطني. 

هذه الأرقام القياسية مذهلة. إنّها أشبه بموجات صدمة أصابت هوليوود، وكذلك، وهو الأهم، أصابت البيت الأبيض. 

لا يتوقّف الأمر عند ذلك الحدّ. فدخلت ردود الأفعال على الفيلم في البعد الرابع. ففي يوم الأحد ، كانت قناة فوكس تبثّ سباق سيارات ناسكار على الهواء مباشرة على ملايين المشاهدين الأمريكيين. وفجأةً، بدأ المعلّقون يتحدّثون عن دان إرنهارت الابن، بطل السباق، الذي أخذ جميع أعضاء فريقه ليروا «فهرنهايت 9/11» عشيّة ذلك اليوم. وقدّم كريس مايرز، المعلّق الرياضي، ما قاله إرنهارت تكستو عن الفيلم الموجّه لأعماق أمريكا: «لقد قال: «هه، إنّها تجربةٌ حسنة لالتحام الفريق، مهما كانت آراؤكم السياسية». بالنسبة لأمريكيّ، إنّه أمرٌ حسنٌ يمكن رؤيته.» المعجبون بسباق ناسكار - ليس هناك من يفوقهم مناصرةً لبوش! يا سائقي شاحنات الانتقال من البيت الأبيض - شغّلوا محركاتكم!

ثمّ ظهر روجر فريدمان من قناة فوكس نيوز، وقدّم نقداً متحمّساً تماماً للفيلم، حيث قال إنّه عملٌ لامع، وفيلمٌ ينبغي بكلّ تأكيد أن يراه أعضاء جميع الأحزاب السياسية. وطرح رتشارد غولدشتاين من برنامج «صوت القرية» فرضيّةً تقول: بما أنّ بوش أصبح يعتبر خارج السلطة، فإنّ روبرت مردوخ أخذ يبحث عن رضى الإدارة الجديدة. 

وهذه قائمة ديف ليترمان؟ «الانتقادات العشرة لجورج دبليو بوش حول «فهرنهايت 9/11»:

10. الممثّل الذي يلعب دور الرئيس غير مقنع على الإطلاق «ملاحظة الفيلم وثائقي».

9. الفيلم تبسيطي للغاية حول الطريقة التي سرقتُ بها الانتخابات الرئاسية.

8. هناك كمّ كبير من الكلمات الثقافية المعقدة.

7. لو أنّ مايكل مور انتظر بضعة أشهر، لتمكّن من تضمين الفيلم الفقرة التي أرسله فيها إلى المنفى.

6. لم يكن هناك قردٌ واحد من تلك القردة المسلّية التي تدخّن لفائف التبغ وتمدّ أصبعها في وجه المشاهدين.

5. من بين جميع الاتهامات التي وجّهها مايكل مور، فإنّ 97% منها فقط صحيحة.

4. ليس أكيداً. لقد فقدت وعيي بعد ابتلاعي لحبّة بوشار عن طريق الخطأ.

3. لكن أين كان سبايدرمان؟

2. لم أسمع شيئاً تقريباً، فتشيني كان يصيح كثيراً، ولم يتوقّف عن السباب.

1.كنت أعتقد أنّه فيلم حول دودجبول.

وكان من المثير حقاً خلال عرض هذا الفيلم هي ردود الأفعال في الصالات في جميع أنحاء البلاد. واحداً بعد آخر، كان مدراء الصالات يتّصلون ليقولوا أنّ المشاهدين كانوا ينهضون ليصفّقوا أثناء العرض - في أماكن مثل غرينزبوبو وكارولاينا الشمالية وأوكلاهوما سيتي، وأنّ أولئك المدراء كانوا يجدون صعوبةً في إخلاء الصالات بعد نهاية الفيلم، لأنّ الناس كانوا منفعلين للغاية، أو لأنّهم كانوا يريدون الجلوس من جديد والتحدّث مع جيرانهم حول ما رأوه. في ترامبل، في ولاية كونيكتيكوت، وقفت امرأةٌ على كرسيّها بعد العرض وصاحت: «سوف نعقد اجتماعاً!» وفي سان فرانسيسكو، خلع رجلٌ حذاءه ورماه على الشاشة حين ظهر بوش في نهاية الفيلم. وبكت مجموعاتٌ من أتباع الكنيسة البروتستانتية من تولسا ذهبت لمشاهدة الفيلم بحرارة بعد نهايته.

هؤلاء المشاهدون هم الذين كذّبوا جميع الخبراء الثرثارين في وسائل الإعلام الذين أعلنوا قبل ظهور الفيلم أنّ الشريحة المعتادة من اليساريين وحدها ستذهب لرؤية «فهرنهايت 9/11». لقد أخطأوا تماماً. لقد ضربت صالات أقصى الجنوب ووسط الغرب الأرقام القياسية المطلقة لارتيادها. نعم، لقد وضعت صالاتٌ في بيونيا ولوبوك في تكساس وأنكوريج في ألاسكا لافتاتٍ تفيد بعدم وجود أماكن شاغرة.

ونشرت جميع الصحف تباعاً قصصاً لا تصدّق عن أناسٍ كانوا يقولون إنّهم «مستقلّون» و«جمهوريّون»، خرجوا من السينما مضطربين وباكين، يقسمون أنّ ضميرهم لن يسمح لهم بالتصويت لجورج دبليو بوش. وأوردت صحيفة نيويورك تايمز قصّة تلك المرأة العشرينية، الجمهورية المحافظة من بنساكولا في فلوريدا، التي بكت طيلة الفيلم، وقالت للصحافي: «إنّ ما رأيته يجعلني أعيد النظر في رأيي بالرئيس. إنني أتساءل حول دوافعه.»

وفي صحيفة نيوزداي، نشرت مقابلة مع رجلٍ كان يصف نفسه بأنّه مناصرٌ شديد لبوش وتشيني، وكان ردّ فعله بعد عرض الفيلم هادئاً جداً. قال: «لقد جعلني هذا الفيلم أفكّر حقاً حول ما يحدث في الواقع. هناك حقاً كمّ كبيرٌ من الأشياء. لا يمكن محو ذلك بظاهر اليد.» ثمّ اشترى الرجل ثلاث بطاقاتٍ أخرى ليرى الفيلم من جديد.

ووجدت صحيفة لوس أنجلس تايمز في صالة سينما في ديس بيريس، في ميسوري، ربّة أسرة ساندت بوش بقوّة. أثناء خروجها بعينين دامعتين من الصالة، قالت ليسلي هانسر إنّها تفهم أخيراً. «أنا منفعلة جداً.» ثمّ توقّفت، وقامت بحركةٍ من يدها تشير إلى أنّها لا تعثر على الكلمات المناسبة: «أعتقد أنّنا لم نكن قد رأينا الحقيقة بأكملها من قبل».

بطبيعة الحال، كانت تلك أسوأ الأنباء بالنسبة للبيت الأبيض صباح الاثنين. تولّد لديّ انطباعٌ أنّهم دهشوا لدرجة أنّهم أعادوا العراق، أعادوا العراق قبل يومين من الموعد المحدّد.

وقال لنا رؤساء تحرير إنّه يصلهم عددٌ هائلٌ من الرسائل الإلكترونية والنداءات من البيت الأبيض (أي: كارل روف، مستشار الرئيس للشؤون الاستراتيجية). كان هذا الأخير يحاول الخروج من تلك المحرقة بمهاجمة الفيلم ومهاجمتي شخصياً. وكان جان بارليت، الناطق باسم بوش، قال للصحافيين المعتمدين لدى البيت الأبيض إنّ الفيلم «نسيجٌ من الأكاذيب» - رغم أنّه لم يره. فيما بعد، قال لقناة CNN «لسنا بحاجةٍ لرؤية هذا الفيلم كي نعرف أنّه مليء بالأخطاء في الوقائع.» على الأقل، إنّهم متجانسون. فهم لم يحتاجوا لرؤية سلاح دمارٍ شاملٍ واحد كي يرسلوا أبناءنا ليقتلوا.

لقد قفز العديد من برامج الأخبار بحماس على رواية البيت الأبيض. بعد كلّ شيء، هذه البرامج تمثّل جزءاً كبيراً من موضوع «فهرنهايت»: كيف صدّقت وسائل الإعلام، كسلاً ودناءةً، جميع أكاذيب إدارة بوش حول ضرورة غزو العراق؟ لقد صدّقوا كلّ ما قاله البيت الأبيض، ولم يطرحوا إلاّ نادراً (أبداً؟) الأسئلة الصحيحة، تلك التي كان ينبغي أن تطرح قبل بداية الحرب.

ولأنّ الفيلم يدين إخفاقات وسائل الإعلام وتواطؤها الكبير مع إدارة بوش (الذي لن ينسى أبداً تصفيقها الحارّ المتواصل عند انطلاق قواتنا إلى الحرب، كما لو أنّها ليست سوى لعبة) فإنّ وسائل الإعلام تلك لن تغفر لي ما يبدو الآن ظاهرةً ثقافية. ففي جميع الحلقات، ودون ملل، هاجمتني بعنف نودّ لو نرى مثله تجاه أولئك الذين كذبوا علينا حول ضرورة مهاجمة أمّةٍ ذات سيادة لم تكن تهدّدنا. أنا لا ألوم نجومنا الصحافيين الذين يتلقّون مبالغ كبيرة - في فيلمي، يبدون كثلّةٍ من المنافقين الأوغاد - وأعتقد أنّني كنت سأغضب كثيراً لو أنني مكانهم. فحين يذهب المعجبون بسباق ناسكار لمشاهدة «فهرنهايت 9/11»، هل سيصدّقون بعد الآن ما سيرونه على قنوات ABC/NBC/CBS الإخبارية؟ 

أثناء الأسبوع القادم، سوف أحكي لكم مغامراتي مع وسائل الإعلام في الشهر الحالي. (سوف أضع أيضاً على موقعي الإلكتروني فقرة «سؤال وجواب» تتضمن أكثر الأسئلة توارداً كي يكون لديكم كلّ المساعدة وجميع عناصر الفيلم من أجل الإجابة حين ستجدون أنفسكم في مناقشةٍ حامية مع قريبكم المحافظ. أما الآن، فلتعلموا ما يلي: إنّ كلّ واقعةٍ أوردتها في «فهرنهايت 9/11» هي الحقيقة المطلقة وغير القابلة للطعن. ربما كان هذا هو الفيلم الوثائقي الذي أثار أكبر كمٍ من البحث والتمحيص الدقيق في زماننا. أكثر من اثني عشر شخصاً، بما فيهم ثلاث فرقٍ من المحامين والمتحققين من الوقائع في صحيفة نيويوركر، قد فحصوا الفيلم على نحوٍ شديد الدقّة كي نتمكّن من تقديم هذه الضمانة لكم. لا تدعوا أحداً يقول لكم إنّ هذا أو ذاك مما ذكر غير صحيح. إذا قالوا ذلك، فهم كاذبون. قولوا لهم إنّ الآراء في الفيلم هي آرائي الخاصة، وإنّ من حقّ الجميع أن لا يكونوا موافقين عليها. وإنّ الأسئلة التي أطرحها في الفيلم، والمبنية على تلك الوقائع غير القابلة للطعن، هي أيضاً أسئلتي الخاصة. قولوا لهم إنّ من حقّي أن أطرحها، وإنني سوف أتابع طرحها حتى أحصل على إجابات.

ختاماً، أودّ أن أقول لكم إنّ أكثر ردود الأفعال تشجيعاً على الفيلم أتت من جنودنا ومن عائلاتهم. لقد امتلأت جميع الصالات الواقعة في المدن التي جرى تجنيد أبنائها. إنّ فرقنا العسكرية تعرف الحقيقة. لقد رأتها بأمّ عينيها. والكثير من الجنود لم يعتقدوا أنّه فيلمٌ صنع حقاً لصالحهم - كي يعودوا إلى بيوتهم سالمين ولا يعاد إرسالهم أبداً ليواجهوا الخطر إلاّ كإجراءٍ أخير. أتمنّى عليكم أن تكرّسوا بعض الوقت لقراءة القصة الرائعة التي نشرتها صحيفة فاييتفيل، في كارولانيا الشمالية على الموقع: http://fayettevillenc.com/story.php?Template=local&Story=6429101

لقد انفطر قلبي لدى قراءة ردود أفعال عائلات الجنود وتعليقات زوجة جنديّ المشاة ذاك الذين ساندوا علناً الفيلم الذي صنعته. 

مرةً أخرى أشكركم على مساندتكم. معاً، كتبنا فصلاً في كتب التاريخ. وكلّ اعتذاري لفيلم: «عودة جيدي».

سوف نستدرك الأمر حين نحقق في تشرين الثاني فيلم: «عودة التكساسي إلى كراوفورد». 

فلترافقكم قصص الفكاهة، لكن ليس لفترةٍ طويلة.

■ مايكل مور

http://www.michaelmoore.com

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

معلومات إضافية

العدد رقم:
226