نبيل محمد نبيل محمد

مارادونا تحت مجهر كوستوريتسا

لا بد أن الفيلم الوثائقي أو التسجيلي يختلف منهجياً عن الفيلم الروائي الطويل على اعتبار أن القائم عليه محكوم بمصادر ومعان عليه تقديمها وذائقة المخرج متأطرة ضمن الفعل العام الذي تؤديه الصورة التسجيلية، وهنا يقف المخرج البوسني إمير كوستوريتسا محاولاً إيجاد صيغة وثائقية جديدة تمكنه من الخوض في مشروعه السينمائي العام ضمن المجال التوثيقي، أي محاولة تطبيق الأساليب الإخراجية العامة له خارج حدود السينما الروائية الطويلة، مختاراً شخصية فريدة من نوعها على مستوى العالم كموضوع لفيلمه الوثائقي وهي نجم كرة القدم الأرجنتيني دييغو أرماندو مارادونا، هذه الشخصية التي يعبر عنها كوستوريتسا بأسلوب مختلف حتى عن الفهم العام لها، مشيراً بطريقة غير مباشرة إلى أنه كمخرج ليس من عشاق الكرة ومتابعي ميادينها إلا أن شخصية مارادونا هي ليست مجرد شخصية لاعب كرة قدم شهير، وبالفعل كان المضمون العام للفيلم المتوفر حالياً بالأسواق والذي تم عرضه في مهرجان دمشق السينمائي السابع عشر يناقش شخصية اللاعب كفاعل عالمي في القضايا الإنسانية وفرد جدلي يستحق إثارة الأسئلة وإدارة النقاشات حوله.

يبدأ الفيلم بوصف كوستوريتسا، الذي يشكل جزءاً لا يتجزأ من الفيلم، للحالة التي يتم فيها تصوير الفيلم، حيث يجد المخرج نفسه في موقف صحفي لا يفضله وهو محاولة متابعة النجم واللحاق به للحصول على مادة إعلامية تتناوله، إلا أن العلاقة في الفيلم تبدأ بالتوثق بين المخرج والنجم لدرجة أن هذه العلاقة تصبح مصدراً أساسياً لأداء المعلومة والحديث عن الشخصية، بل وطريقة التقاء الاثنين تكسو نوعاً من الاستثنائية على مجريات الفيلم الذي يدخل بصورة ما حيز الروائية في السرد أكثر من الاعتماد على المرجعية والوثيقة التاريخية.
يظهر مارادونا محارباً ضد التوغل الإمبريالي من خلال أهدافه الكروية على دول العالم الرأسمالي ومن خلال التطرق إلى علاقاته السياسية وصداقته مع فيديل كاسترو الزعيم الكوبي الشيوعي، وتظهر آراء مارادونا غير متمخضة من صراع كروي ومحاولة إثبات نجومية فنية رياضية، ولكن من خلال رأي واحد ودور يحس بنفسه يلعبه على الصعيد السياسي أيضاً، منطلقاً من الأسرة الفقيرة التي تربى بها وإلى الظروف التي أحاطت به أثناء بداياته مع كرة القدم وصولاً إلى الاحتراف والهدف الاستثنائي على المنتخب الإنكليزي الذي يتكرر خلال الفيلم    كصفعة تركها مارادونا في تاريخ الرأسمالية، صفعة من دولة فقيرة وجهت سلاحها الكروي إلى الشباك الأوروبي ليدخل الهدف بأية طريقة كانت ولو باليد، هذا الهدف الخارج عن نطاق المنطق الرياضي للعبة كرة القدم، والذي استطاع كوستوريتسا تصويره من وجهة نظر سينمائية خاصة وتآلفه مع شخصيات كرتونية سياسية لم تستطع الوقوف في وجه الثائر مارادونا عند تسديد هذا الهدف، ليست شخصيات إنكليزية فحسب،  بل هم طغاة عالميون لم يملك مارادونا أن يوجعهم إلا من خلال السلاح الذي يحترفه، والذي يوظفه أن كوستوريتسا يعطيه هذا التصور في سياق صراعات عالمية كبرى.
لم يخرج كوستوريتسا عن جوه السينمائي العام بل واستخدم موسيقاه المعتادة في أفلامه ضمن نطاق الفيلم حيث شكلت الموسيقا والغناء الذي يحبه ويمارسه مارادونا أساساً في تقديمه كشخصية رياضية فنية عاشقة للحياة ومناهضة للطغيان.
خرج فيلم «ماردونا» من المصنع ذاته الذي خرج منه «تحت الأرض» و«الحياة معجزة» و«زمان الغجر»، ليخرج بذلك عن كلاسيكية المادة الوثائقية ويكون مادة سينمائية أقرب إلى الفن والإبداع منها إلى الاتباعية والمرجعية والوثائقية فكان مارادونا وكوستوريتسا بطلي فيلم روائي هام جداً يتناول حياة الأسطورة «دييغو أرماندو مارادونا».

معلومات إضافية

العدد رقم:
431