أوراق خريفية... «أمريكا عالْباب... !»

أغلق الإضبارة ووضعها جانباً، ونزع نظارته الطبية عن عينيه وفركهما قليلاً، ثم أشعل سيجارة والتفت إلى جليسه قائلاً:

● مم..، حدّثُنا... أما زلت عنيداً ولم تقنع بعد! (وسحب نفساً طويلاً من سيجارته ونفخها باتجاه جليسه) كما ترى، أنت حرّ تماماً، يداك طليقتان... عيناك غير معصوبتين... تجلس أمامي وأنت متمتع بكامل مزايا المواطنية... ومع ذلك تتهموننا بالقسوة والبطش وما بعرف شو... قل لي: أهذا وقت التهجم على الحكومة ! ألا تسمع الأخبار؟ ! أمريكا على الباب يا ابن الحلال وحضرتك ولا على بالك أبداً؟! ماذا تسمّي نشاطك الهدّام ضد البلد؟! أترى أن هذا الوقت مناسب جداً لمحاسبة الفاسدين ومكافحة الرشوة وضرّاب السخن... إلى آخر السبّحة التي صرعتمونا بنغمتها؟! قل لي ماذا تسمّي هذه الفذلكات في هذا الظرف العصيب والمتوتر الذي تمرّ فيه المنطقة؟!.

 ●● (متهكماً إنما بانكسار وحزن وصوت خفيض) خيانة للوطن سيدي!

● ليس كثيراً.. بل لنقل ليس إلى هذا الحد! ولكن بالفعل يمكن تصنيف عملك وعمل جماعتك بالخيانة القليلة للوطن.. نعم، يمكننا وصفكم بهذا الوصف وأنا مطمئن تماما ً وبكامل الثقة وراحة الضمير...

●● (حاسما للجدل) المطلوب سيدي!

● عدْ إلى رشدك يا ابن الحلال! قلت لك أمريكا على الباب.. ولن تفرق بين مواطن ومسؤول.. أمريكا قادمة لدمار الوطن بمن فيه ولن تستثني أحداً.. أجّلْ بطولاتك ضد الحكومة إلى ما بعد الانتهاء من أمريكا.. وبعدها لكل حادث حديث..

●● (يائساً) سيدي! يبدو أننا لن نتفق على أن محاربة أمريكا تبدأ من توسيع الديمقراطية وإلغاء قانون الطوارئ والأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية، ومحاربة الفساد وإيقاف هدر المال العام ووضع الإنسان المناسب في..

● (مقاطعاً بحدة) كفاك جعجعةً! مللْنا من شعاراتكم المتطرفة والمقيتة.. قلت لك ليس أوان هذا الكلام. علينا الآن جميعاً النضال من أجل الوحدة الوطنية ورصّ صفوف الشعب ضدّ الهجمة الإمبريالية الشرسة القادمة إلينا... غريب أمرك فعلاً، المؤامرة تحاك ضدّنا بوضح النهار يا بني آدم! وأهدافها باتت جليّة للقاصي والداني ومع كل ذلك تيبّس راسك الأرعن. 

●● ولكن سيدي! شعاراتنا المقيتة تلك ، في حال تحققها، هي التي تسهم بالوحدة الوطنية وتجعل المواطن حريصاً على وطنه.. مليئاً بالحماسة والاستعداد للمقاومة والدفاع عن مكتسباته.. ومن غير ذلك  سيحدث لنا ما حدث للاتحاد السوفييتي ورومانيا والعراق... و... 

● (بغضب شديد): أتشبّه نظام الحكم لدينا بنظام صدام حسين يا عرص ! ؟ . 

■ قطعًا لا...  هناك شتّان ما بينهما... بس..

● (كزّ على أسنانه) فعلاً أنكم جماعة بجم، رعاع، لا يليق بكم إلا الكرباج والدولاب.. لكن يبدو أن حظّك حلو يا عرص !! لدينا تعليمات من أعلى المستويات بعدم المساس بكم.. ها نحن نستوعب مخاطر المرحلة ونعاملكم باللطف واللين وأنتم لا تعتبرون .!!. انقلع إلى بيتك الآن وإياك ثم إياك التفوّه بأية كلمة تسيء إلى الوطن من الآن فصاعداً وقد أعذر من أنذر.. هيّا...

(نهض غير مصدّق من أنه فعلاً أخلي سبيله... وأدار ظهره استعداداً للخروج!) وإذ بصوت المحقق يصرخ به: وَعْ....

جفل صاحبنا وارتعد من الصوت المفاجئ!  فضحك المحقق مقهقهاً وقال له: 

 أترى؟ صوت عادي أفزعك! كيف سيكون موقفك عندما تنهمر صواريخ كروز و توماهوك والقنابل العنقودية على عنقود رقبتك!

  ولَكْ اتّعظ يا ابن الحلال اتّعظ، أمريكا صارت عالباب....

■ ضيا اسكندر - اللاذقية

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.