رحل الجسد وترك أسطورة    زكي ناصيف

ولد زكي 1916 في بلدة مشغرة. لينتقل في مطلع العشرينات مع أسرته للإقامة في بيروت، في محلة عين الرمانة التي بقي مقيماً فيها حتى آخر حياته، وفي الحي نفسه، وتعلم في مدرسة قريبة من البيت، قبل أن ينتقل إلى مدرسة المخلص في الناصرة،  وبالرغم من أنه تابع دراسته إلاّ أن ميله إلى فن الغناء بقي راسخاً، وبدأ بالعزف على عود قام جارهم بإهدائه له، ومع الزمن تفتحت مواهب زكي ناصيف حيث بدأ بكتابة الألحان قبل أن يدرس الموسيقى ومع الوقت احترف زكي ناصيف الفن ودخل معهداً موسيقياً في بناية وست هول، والذي كان يضم عدداً كبيراً من تلامذة فن الموسيقى والغناء.

ليتعلم هناك العزف على البيانو، فن التأليف والتلحين، ويستمر في ذلك سنوات ثلاثاً فقط ينقطع بعدها عن الدراسة بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية. ولم تفلح جميع محاولات والده في أن يأخذه إلى عالم التجارة ليبقى شغفه بعالم الموسيقى هاجسه الأول ويدفعه إلى متابعة مشواره استاذ فرنسي مشهور في ذلك الوقت، هو برتران روبيار.

الانطلاقة الفنية الحقيقية كانت في الإذاعة اللبنانية تلحيناً وغناءً، ليستكملها في «إذاعة الشرق الأدنى» التي كانت تدير مؤسسة فنية ناشطة في إنتاج الأغاني والألحان الفولكلورية الجديدة آنذاك، ليقف إلى جانب أهم الأسماء في ذلك الوقت، امثال الأخوين رحباني وفيلمون وهبي، الذين انضم إليهم مع توفيق الباشا وألفوا ما سمّي آنذاك «عصبة الخمسة». وكان هدف هذه العصبة الخروج على الغناء الشائع الى محاولة اكتشاف لون من الغناء المحلي الذي يستمد من الفولكلور جمله اللحنية، في اعتبار أن الفولكلور خامات فنية قابلة للصقل والتطوير.  تابعت «عصبة الخمسة» مشروعها الفني لتدشن في العام 1957 انطلاق «الليالي اللبنانية« الاولى في «مهرجانات بعلبك الدولية«، بعمل فولكلوري تحت عنوان «عرس في القرية«. وفي تلك الليالي البعلبكية الأولى انطلقت الأغنية التي لحنها ليغنيها الكورس: «طلّوا حبابنا طلّوا/ نسِّم يا هوا بلادي»، وكذلك أغنية «يا لا لا لا عيني يا لا لا لا»، اللتان غنّاهما لاحقاً وديع الصافي.ليقدم بعد ذلك بالتعاون مع صبري الشريف لوحات فولكلورية بعنوان «أرضنا إلى الأبد» صيف .1959، وينطلق بعد ذلك إلى مجموعة كبيرة من المهرجانات حاملاً همه وحلمه الموسيقي. هذا العرس ليتحول عالمياً إلى  خشبات مسارح في قبرص وباريس وفيينا وفرانكفورت.

 

مع انتهاء الأحداث في لبنان والحروب، وقف زكي ناصيف أمام الجميع ليغني من جديد أغانيه القديمة، ويبعث في الشعب روح راجع راجع يتعمر راجع لبنان، وحتى آخر لحظة من حياته شكل رمزاً لنهضة لبنان وعمرانه، ومع غياب الجسد يترك زكي ناصيف أسطورة ستحمل الكثير للبنان وللشعب العربي الذي أحبه وأحب أغنياته.